من جسر الرينق إلى جسر السنك ومن ميدان البريد في الجزائر إلى قصر قرطاج تتنامى الشعبوية وتتغلغل داخل الشعوب العربية لتقود الانتفاضات وتتمرد على الطائفية السياسية والدينية أو الحزبية وتسقط الرايات الملونة وتتوشح بالأعلام الوطنية لتطرد إيران وحلفاءها.

رغم أن الشعبوية حملت تفسيرات سلبية في أوروبا وذهبت إلى الإشارة إلى القومية وكراهية الأجانب وتصعيد اليمين المتطرف، غير أنها جاءت إلى الشعوب العربية بمفاهيم الوطنية بعيداً عن التقسيمات الطائفية والدينية لأبناء الوطن الواحد، إضافة إلى طرد النخب السياسية وتحدى المؤسسات التقليدية.

تتباين آراء المراقبين في تحليلاتهم اليومية لظاهرة سقوط الرايات الملونة، ولكن لا يختلفون أنها رياح الشعبوية التي بدأت تهب جنوباً وشرقاً من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، رافضة التحنيط وتدعو إلى التحرر الوطني بعيداً عن الهيمنة الطائفية أو التفريق بسبب الدين أو النوع.

ولكن الشعبوية العربية تنادي بالوطن الواحد الذي يسع الجميع وترفض المحاصصات الحزبية والطائفية، ولا تختلف عن شعبوية أوروبا في دعوتها للانكفاء الداخلي واسترداد الدول من قبضة المحاور الإقليمية أو العالمية، تماماً مثل ما يحدث في العراق ولبنان في مواجهة النفوذ الإيراني المهيمن.

اتفقت كل التظاهرات التي شهدتها عواصم 4 دول في شمال إفريقيا وآسيا ضمت الخرطوم والجزائر وبغداد وبيروت على تجاوز كل الأحزاب والطوائف وأشكال الاحتواء والتبني ورفع شعارات أولها محاربة الفساد والطائفية ورفض المتاجرة بالأوطان وتجاهل مصير الشعوب.

رايات العراق

وتصاعد رياح الشعبوية في العراق بشكل عنيف أدى إلى إسقاط الرايات وتهاويها في أكبر بلد عربي مختطف يضم أكبر عدد من الرايات الملونة التي لا يعلوها علم البلاد، مما أثار الرعب في أوساط نظام الملالي الإيراني الذي كان يستبيح بغداد بلا أي حواجز سياسية أو جغرافية.

وتخوف العراقيون أن تذهب بلادهم نحو الهاوية، بعدما سلّم سياسيوه أرض الرافدين إلى النظام الإيراني، وباتت تصلهم الصواريخ من كل حدب وصوب، متسائلين عما حصدوه منذ أن رهن الطائفيون دولة كاملة وشعبها، سوى تكاثر الرايات الملونة وتشتت الولاءات.

لبنان

وصحا اللبنانيون على وقع دولة عريقة لا يسمع لها صوت إلا في أندية الحروب العبثية ويتباهى فيها حزب الله بدفاعها عن نظام الملالي وترفع رايتها الحمراء، بينما يجهل أنصاره شجرة الأرز وعلم البلاد، في الوقت الذي يحترق الشعب تحت وطأة الفقر والانهيار.

وأجمع مراقبون غربيون أن التظاهرات في العراق ولبنان هي محاولة من الشعبين لاسترداد دولتيهما من قبضة النفوذ الإيراني الذي يهيمن على كل شيء ويطوع الجغرافيا والتاريخ لتعزيز نزوات سياسية طائفية بدلاً مما يحتاجه اللبنانيون من تطور وتنمية وثراء لبلادهم.

الجزائر والخرطوم

يقول سياسيون إن الجزائريين والسودانيين انتفضوا رفضاً للأنظمة السياسية وزعماء الأحزاب المعمرين الذين ارتهنوا بلديهما بالفساد والظلم، والطغيان، بينما تجاهلوا شعوبهم التي ترزح تحت خط الفقر والجهل منذ الاستقلال، فضلاً عن ممارسة القمع ورفض التغيير مهما غلا ثمن البقاء.

شعبوية تونس

واعتبر محللون أن تراجع الحركات السياسية التقليدية في المشهد التونسى، أثّر بشكل فاعل في نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أتت بالمرشح قيس سعيد الذي يجهل كل الناس خلفيته السياسية والأيديولوجية، ولم يبد في مواقفه طيلة السنوات الماضية عداء أو خصومة لأي طرف سياسي أو فكري، بل كان همه الوحيد القانون والدستور والبلاد.

واعتبروا أن عزوف المواطنين في تونس عن الأحزاب السياسية والتشكيك في برامجها الملتوية جعل الانتماء إلى حزب سياسي عاملا سلبيا، ما أدى إلى خسارة الأحزاب للانتخابات البلدية وعكس بجلاء حقيقة صعود الشعبوية في الساحة العربية. ورأى آخرون أن بلاغة قيس سعيد واعتزازه بعروبته ولغته، فضلاً عن استخدام العربية الفصحى في تصريحاته الصحفية في مواجهة العديد من النخب السياسية التونسية المشبعة بالثقافة الفرانكفونية ولا تجيد حتى التحدث بالعربية أكسبته قاعدة شعبية وأعادت تونس إلى قلب العالم العربي.

ما هي صور الشعبوية العربية

- استرداد الأوطان المختطفة ورفض الهيمنة الإيرانية

- رفض الهيمنة الطائفية والسياسات المصاحبة لها

- إسقاط جميع الرايات الملونة، والتوشح بالأعلام الوطنية

- محاربة الفساد والمتاجرة بالأوطان وإقحامها ولعبة المحاور