لن أسهب في ذكر ماهية التأمين الصحي وأهميته وما إلى ذلك، بل سأقول مباشرة بعدما علمنا أن وزارة الصحة صرّحت باعتماد التأمين الصحي للجميع في غضون 5 سنوات. وقد مرّ عامان على أحد تلك التصريحات، لأنه تم التصريح في عامين متتاليين بنفس مدة الوعد. مرّ عامان ولم نر تغييرا على أرض الواقع، بما يتناسب مع هذا التأمين المنتظر، وذلك لمشكلتين:

الأولى: أن شركات التأمين ليست مؤهلة ولا قادرة على التأمين على صحة الناس. لدينا فقط 26 شركة تأمين اعتمدها مجلس الضمان الصحي، بالتالي فـ«الشق أكبر من الرقعة»!،

الثانية: أن مجلس الضمان الصحي شمّل التأمين أمورا دون أمور، فلا زراعة أسنان يشملها التأمين، ولا جسور أسنان، ولا زراعة أعضاء، ولا أمراض مستعصية، بل ولا فيتامينات!.

ولعل المجلس لا يعلم أن كرسي الأمير متعب بن عبدالله عمل دراسة فوجد أن 97 % من السعوديين يعانون نقصا في فيتامين «د»، فماذا سيفعل هؤلاء مع علمنا بأن فيتامين «د» باهظ الثمن؟، بل ماذا تفعل الحوامل ومرضى فقر الدم ومرضى الفشل الكلوي «18 ألف مريض»، وغيرهم ممن يحتاجون الحديد حاجة الظمآن للماء؟!.

بل وأضيف أن المجلس لم يشمّل التأمين أمراض العمل، وهو المرض الذي يصيب الشخص نتيجة ممارسته عمله، فما هذا البند الغريب؟!.

وإني لأستغرب من النيّة في تطبيق التأمين ونحن ما زلنا لم نخصخص المنشآت الصحية -هذه الخصخصة التي عجزت أن أفهم معناها بوضوح- والصيدليات إلى الآن لم نفهم منها ماذا سيحلّ بها، بل وليس لدينا حتى الآن ملف إلكتروني موحد بمعنى الكلمة!.

تشكل مراكز الرعاية الصحية الأولية في بريطانيا -كتجربة ناجحة للتأمين الصحي- 80 % من حمل عبء العلاج، فما حال مراكزنا الصحية؟!

تجد المركز الصحي وهو وسطي ونموذجي وفئة «أ» إلا أنك لا تجد في الفترة الواحدة إلا طبيبا أو طبيبين على الأكثر، مقابل ما لا يقل عن 500 مريض، وهذا في فترة 8 ساعات فقط، فضلا عن صيدلي واحد يصرف وحده لهذا العدد الهائل، وممرضين اثنين يستقبلان هذا الفوج العارم الوارم، الذي يشوبه الغضبان والتعبان والمتبلي حتى، بل والمتسوق الذي لا يشكو من شيء، «50 % من مراجعي المراكز الصحية في أميركا ليسوا مرضى حقيقيين، فكم سنكون نحن؟!».

ختاما، فإن الأمر يحتاج إيجاد شركة ذات قوة مالية ضخمة للتأمين، وأقترح أن تكون شركة تديرها الدولة، ولا تديرها براثن التجار الطمّاعين، وتكون شركة حكومية مساهمة، يستفيد منها المواطن بالاكتتاب، وتستفيد هي بتضخيم رأس مالها باكتتابه. كما أرى وجوب تعزيز مراكز الرعاية الصحية الأولية بكادر أطباء أولا، ثم صيادلة وممرضين، «وسنفرد لحال المراكز الصحية مقالا قادما».

كما أرى تعديل بعض بنود وثيقة المجلس الصحي للتأمين، التي تمنع التأمين من تغطية بعض النواحي المهمة «فالكل» يحتاج العلاج ومن حقه التداوي.

فإن لم يفعلوا، فليُلغَ نظام الجودة من المراكز، وليُنسَ الملف الموحد، وبالتالي التأمين، ولنعد إلى الأوراق وسوق المرضى المكتظ بمريض ومتسوق وصياح ونياح! والسلام.