الاهتمام أمر جيد على كل حال، ولكن عندما يزيد عن حده فسينتقل إلى مرحلة «التعلق»، سواء التعلق بالأشياء أو بالعلاقات، أو حتى بالسلوكيات الخاطئة.

التعلق بأجهزة الجوال من حولنا، خلال برامج التواصل والألعاب على الإنترنت، مثال واضح وواقعي أمامنا على حساب الأولويات، إذ تجد بعضهم متعلقا بها إلى حد كبير، لا تفوته رسالة واردة ولا شاردة، ولا مقطع أو صورة إلا فتحها واطلع عليها في اللحظة نفسها. ينتظر المشهور الفلاني الذي يتابعه حتى يتكلم، مراقبا حركاته وسكناته أولا بأول، ويسابق الزمن محاولا أن يحيط بكل الأخبار والأحداث في حينها على حساب وقته ومسؤولياته وأسرته!.

لا يستطيع أن يبعد الجوال عن يده من التعلق به، فهو يعتقد أن ما يفعله صحيح، ويتصور خلال عقله الباطن «اللاشعور»، أن سلوكه وتصرفاته طبيعية، وهو أبعد عن ذلك، بل هو دليل على وصوله إلى حالة مرضية نتيجة هذا الإدمان، ولو فكر بعقلانية وخرج إلى مرحلة الوعي والشعور، سيكتشف أن كل ما سبق غير مهم، وهناك ما هو أهم وأولى.

أما على مستوى العلاقات فبعضهم -للأسف- يبني سعادته ويربطها بمن حوله من الأصدقاء والأقربين، فتجده مهموما متضايقا إن لم يتواصل بصديق بشكل دائم بلقاء أو بمكالمة، وكذلك تعلّق الزوجة بزوجها وأولادها وربط سعادتها بهم، ويتضح ذلك خلال نوبات الاكتئاب التي تصيب الزوجات على وجه التحديد.

وبالمناسبة، فقد أكدت الدراسات العلمية أن منشأ هذا التعلق يعود إلى مرحلة الطفولة، خلال ما يسمى بـ«الفطام النفسي»، حينما يتخلص الطفل من الالتصاق بوالدته من عمر سنتين إلى أربع سنوات. وعندما يحدث هذا الاكتئاب فذلك دليل على أن مرحلة الفطام النفسي لم يتم التعامل معها بالشكل الطبيعي منذ الصغر، وامتد أثرها حتى الكبر.

نحن هنا -بلا شك- لا ندعو إلى عدم الحب والاهتمام، ولكن لا تتعلق لأن البشر غير معصومين، وطبيعة مشاعرهم متغيرة، ولا تستقر على حال، وخفض سقف توقعاتك تجاههم، يبعث في قلبك الاطمئنان والحب بشكل متوازن، بلا عتاب ولا تعلّق.

تعلق بما يعود عليك بالنفع الدائم، وبما لا يستنزف طاقتك ومشاعرك وذهنك. تعلق بقراءة يومية للقرآن، وببرك لوالديك والإحسان لهما. تعلق -مثلا- ببرنامج يومي مفيد، كالمشي وقراءة الكتب، وتعلم لغة جديدة، ومهارات تطور من ذاتك وتضيف إلى خبراتك، فهي لن تخذلك.

لذلك، عوّد نفسك على الحب والاهتمام، بشرط ألا تتعلق وتؤذي نفسك.