الإعلام هندسة ومهنة المصاعب والمتاعب، لا يدركها كثيرون. الإعلام سلاح مؤثر، إذ بدأت أول محاولة فرنسية عام 1918 لوضع ميثاقٍ لأخلاقيات المهنة بعد الحرب العالمية الأولى، نظرا للدور الفعال الذي لعبته وسائل الإعلام في تلك الفترة، لتتوالى بعدها المحاولات الغربية والعربية، في سنّ قوانين وأنظمة لتحديد أخلاقيات المهنة.

لا أحد يتجرأ أن يقول: أنا طبيب أو مهندس، لأنه يدرك أنه أمام محكّ واختبار وتصنيف. لذا، الإعلام أولى، لارتباطه بشتى علوم الحياة «السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم، وغيرها»، بل تصل إلى إدارة الرأي العام وتوجيهه وتغيير المفاهيم.

له مفاهيمه الخاصة، ومصطلحاته وقواعده المبنية على الفهم والاستنتاج والتحليل، وهذا أمر مهم وخطير، وهو سلاح فتّاك تستخدمه غالب الدول المتقدمة في تحقيق مصالحها، بمعنى أنه سلاح ذو حدّين. لا يدرك ما نتحدث عنه إلا النخبة وذوو التخصص.

الإعلام صناعة ومهنة معقدة ومتشعبة، له إستراتيجياته ونظرياته العميقة والعالمية واللغوية، بدءا من صناعة الحدث والقصة والصياغة والتحرير والتدقيق، وصولا إلى البثّ والتأثير، ثم قياس الأثر قبل وبعد، وهو ما يجعله فريدا مرتبطا بالإبداع.

لذا، من الأولى انتشاله من العوام الذين أصبحوا يطلقون مسميات لا يدركون منها شيئا، سوى أنه فتح صفحة في «تويتر» وأصبح يعلّق ويغرّد ضمن آلاف مؤلفة «ضغطة كيبورد ورتويت»، زاعما أنه أصبح مشهورا إعلاميا، وهذا خلل فادح.

أو عندما نصنّف وسيلة تواصل بأنها إعلام، وشتّان بينهما كالفرق بين عنان السماء وقاع الأرض.

كنت أتمنى أن يكون هناك تصنيف واختبار للإعلاميين، كالمهن الأخرى، حتى نقضي على المتطفلين، وأن يكون لكل شخص مجاله وتخصصه، وألا يمارس الإعلام إلا ذوو التخصص، سواء الإعلام التقليدي أو الجديد، كالصحف الإلكترونية، وألا نصف وسيلة تواصل بأنها إعلام، كما هو متداول عند الجمهور العوام، أو كما هو موجود «الذباب الإلكتروني» الأقرب إلى التقنية من التواصل.

وأخيرا، نأمل من الجهات المعنية تفعيل دورها في الحفاظ على الهوية الإعلامية، وتفعيل «ميثاق الشرف الإعلامي»، ومنع كل من يحاول أن يتسلق بمسمى يوهم الناس أنه حامل لواءه، وهو بعيد كل البعد عنه.

أضحكني كثيرا وأحزنني عندما شاهدت في أحد البرامج ظهور شاعر وممثل لتقديم برنامج، متحدثا عن خبرته الإعلامية التي لم نعرفها قط، سوى أنه شاعر، والآخر ممثل!. ظهور هذه العيّنات إساءة، وأين الدور الرقابي لحماية هندسة الإعلام من العبث بها.