سأصارحكم اليوم عن جملة من القضايا والانطباعات الشخصية حول اتفاق الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي، التي لمستها وعاينتها بنفسي، حيث كنت أحد الحاضرين في الفعالية.

وبداية دعونا نتفق على أن العدو الأكبر الذي يهدد حاضر اليمن ومستقبله لعقود -فكرا وهوية- هو المشروع السلالي الحوثي الكهنوتي، وما دونه من المشاريع سيأتي يوم نتفق معها ضمن المظلة الجامعة والهوية المشتركة التي لا خوف على اليمن من ضياعها حال وجدت هذه المشاريع، إلا في حال تخادمها مع المشروع الحوثي الإيراني، هنا ستتحول جميعها إلى أدوات وخوادم وروافد في مصبّات المشروع الأخطر.

ومن هنا أدعو الجميع إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا واحتساب مقادير الأخطار الناجمة عن الانحيازات المدمّرة للهوية ومستقبل اليمن، فمواقف وخطاب المقامرة حين يتسيّد المشهد ستتداعي سائر الأبنية الوطنية إلى الانهيار السريع، وهذا الذي نحذر منه دائما.

اتفاق الرياض فرصة تاريخية لطيّ صفحة الماضي، وأنا متفائل به، أسجل هنا جملة من الانطباعات والرسائل التي ما كان لمثلي أن تفوته من فعالية اتفاق الرياض.

كان التوقيع على الاتفاق نجاحا للدبلوماسية السعودية وللمساعي الأخوية التي بذلتها المملكة لدى كل الأطراف، حيث إن الملف بات في يد المملكة فإن ذلك من وجهة نظري ضمانة أكيدة وناجزة لنجاح الاتفاق، فلن تسمح السعودية بثقلها المعروف في اليمن أن تفشل تلك المساعي تحت أي مبرر، وهي قناعة تأكدت منها أكثر حين حضرت التوقيع وشاهدت الاهتمام الكبير والحرص العالي فوق المتوقع من الجانب السعودي لإنجاح الفعالية والسير بها إلى الأمام دون عراقيل، وهو ما سيلقي بظلاله على الأرض في المسار التنفيذي للاتفاق، خاصة أن المعطيات قبل الاتفاق تضمنت نزول القوات السعودية إلى عدن واستلامها كثيرا من المواقع وإدارتها الوضع فيها، وهو ما يعكس جدية لا تحتمل التشكيك في نوايا المملكة في إنهاء حالة الانقسام الحاصل.

شعرت بتقارب كبير بين كل الفرقاء في فعالية التوقيع على اتفاق الرياض، وضمت اللقاءات كثيرا من القيادات من الصفوف الأولى في الانتقالي مع قيادات في الحكومة والأحزاب السياسية، وتبادلوا الحديث مطولا في جوٍّ من الود والتقارب الملحوظ، وهو ما يمكن البناء عليه للمضي في إنفاذ بنود الاتفاق بسلاسة وهدوء ودون مشاكل تذكر، علاوة على أن المشهد برمته يفرض على الجميع التقارب، ولعلي ذكرت أبرز الأسباب الداعية لذلك عند استهلالي لهذا المقال.

كان توقيع الاتفاق واللقاء برمته تحت علم الجمهورية اليمنية، وهذا له دلالته على مستقبل العلاقة بين الموقعين على الاتفاق وعلى مستقبل ومسار الأحداث، كما هو يقيني في التوجهات السعودية من ذلك.

القاعة التي احتضنت الفعالية كانت يمناً مصغراً إذا جازت لنا التسمية، أقول ذلك لأني شاهدت كل الأحزاب اليمنية وكل الفعاليات والقوى والشخصيات اليمنية المؤثرة في الواقع اليمني حاضرة وشاهدة على هذا التوقيع، وتبادلت قياداتها جميعا اللقاءات والحديث والابتسامات مع قيادات الانتقالي، مما يعني أن قضايا اليمن والاصطفاف الوطني باتت ضمن تطلعات الجميع، وبات حلم استعادة البلد والدولة من أيدي العصابات الإيرانية مشروع الجميع بلا استثناء، وحان الوقت لالتئام الصف الجمهوري لتحقيقه في أقرب فرصة.

جلست مع قيادات جنوبية وتبادلت معها الحديث ولمست منها تفاؤلا عاليا بالاتفاق، بل ووجدتها تبحث عن التقارب وطي ملفات الصراعات التي لم يستفد منها سوى الحوثي وإيران.

* كان لقاء الرئيس بقيادة الانتقالي مهماً ومثّل تحولاً في محورية المشكلة، حيث بدا اللقاء يعكس جانبا من العودة إلى الشرعية، وكأن المشكلة طرأت داخل البيت اليمني، وها هو القائد يلتقي بأبناء شعبه تحت علم الدولة والجمهورية، ويبحث معهم من منطلق مسؤوليته الدستورية على أبناء وطنه القضايا على أسس شرعية.

تطلعات التيارات اليمنية للاتفاق بكل أطيافهم باتت هي نفسها تطلعات رجل الشارع البسيط. هناك إجماع شعبي يتطلع لاستعادة الدولة، وجمع كلمة اليمنيين لتحقيق هذا الحلم بات مطلباً شعبياً لا يحتمل التأجيل أو المخاتلة، فالمشروع الإيراني يتوغل داخل المجتمع اليمني في المحافظات الأكثر كثافة في السكان على مستوى اليمن، وبات المجتمع يتشوق لعودة الدولة وتحرير المحافظات من القبضة السلالية التي تهدد هويته وعقيدته، والأمل كبير بعد الله في مساعي المملكة في المبادرة إلى سرعة تنفيذ اتفاق الرياض، ليتفرغ الجميع لإنجاز التحرير لتعود صنعاء إلى حاضنتها العربية، بعيدا عن جبّة الولي الفقيه الذي يحاول أن يختطفها من اليمنيين والعرب.

لم يؤثر على مسار تحرير اليمن من الميليشيا الحوثية أمر كما أثر هذا الانقسام بين القوى اليمنية وصراعاتها، وذهاب عدن بعيدا عن كونها العاصمة المؤقتة تنطلق منها عمليات التحرير والدعم والإسناد لتحرير المحافظات، وتحتضن رئيس الجمهورية والحكومة لممارسة المهام الدستورية، وتطبيع الأوضاع وتشغيل مؤسسات الدولة في كل منطقة ومحافظة يتم تحريرها، حين لم يحدث ذلك كانت النتيجة الطبيعية أن طال أمد الحرب واستمد الحوثي من ذلك أسباب بقاء صنعت منه معادلا قويا أمام المجتمع الدولي الذي يسعى إلى تثبيته حاكماً كهنوتياً سلاليّاً في صنعاء والمحافظات الأخرى، بينما الحقيقة أن الحوثي أضعف من أن يواجه قوات الشرعية مدعومة بالتحالف، ولن يصمد أسابيع بل أياما أمام قوات الجيش الوطني ما لو توجه الجميع لتحقيق حلم استعادة الدولة، لكن الحوثي يتباهى بالصمود ويغرر على أتباعه أن قوته هي التي صمدت، بينما الحقيقة أن تفرق واصطراع جبهة الشرعية هي التي منحته الفرصة للبقاء لا غير.

أكثر ما يضمن لاتفاق الرياض النجاح هو ما تضمنته ملاحق الاتفاق من تزمين وتحديد دقيق لخطوات التنفيذ المزمّنة، وهو ما يؤكد جدية وحرص الأشقاء في المملكة لتنفيذه.

لن أفوت لحظة جلست فيها مع أحد المسؤولين السعوديين حين قلت له تجربتنا في الاتفاقيات مؤلمة، فما الذي جعلكم مندفعين ومحتفين بهذا المستوى بالاتفاق؟ قال لي هذا الاتفاق تحدٍّ لا بد أن يتم، مطالبا بعدم فتح للحديث عن أي إخفاق يمكن أن يحصل، معتبرا المتابعة والإشراف المباشر أحد ضمانات إنجاز الاتفاق.

مستشار وزير الثقافة اليمني