استمعتُ واستمتعت وشاهدت -مرة بعد مرة- مقطعا على «يوتيوب» بعنوان: «هشام ود قَلِبَا يحكى قصة اعتقاله في السعودية، وتلفيق تهمة أنه «داعش» من جهاز الأمن السوداني».

كان هشام يتحدث عن حادثة حصلت له في محافظة جدة، مع رجال أمن الدولة السعودي، إذ كان هناك -فيما يبدو- أمرٌ بالقبض عليه، بناءً على طلبٍ من الجهات الأمنية في بلده، ومن أول حديث الرجل يتضح لنا مدى احترافية رجال رئاسة أمن الدولة السعودي، وأنهم يتبعون إجراءات نظامية وقانونية، وفقا لخطوات محددة ومدروسة سلفا، وهذا ليس كثيرا على جهاز سيادي مهم في أحد أهم دول العالم اقتصاديا، وإرثا ثقافيا.

ما مارسه رجال أمن الدولة مع المقيم السوداني الكريم، كان تطبيقا لحق أصيل لكل مواطن ومقيم على أرض «بلد الشمس»، المملكة العربية السعودية، كفله الشرع، والنظام الذي فصّل كل الحالات الممكنة وغير الممكنة واقعيّا، احتياطا لما قد يكون لو كان، وانضاف إلى هذا، ما تكلم به أخونا الكريم هشام، عن ذلك البعد الإنساني الرفيق لتعامل السعودي في سدة المسؤولية والمهام والتكليف. تحدثت أعمال رئاسة أمن الدولة السعودي عنها، وقدمتها للناس فور مباشرتها العمل في يوليو 2017، غير أن جانبا مهما عملت عليه الرئاسة بكفاءة وإتقان وحرفية عالية، وهو الانفتاح على المجتمع، وإيصال رسالة مفادها، أن جهاز أمن الدولة -والمباحث العامة تحديدا- هو جهاز حكومي، مهمته الأولى حماية أمن الوطن ومقدراته، والسهر الحثيث على اطمئنان المواطن والمقيم وأمنه، مثله في ذلك، مثل جهاز وزارة الصحة، وجهاز وزارة التعليم، على سبيل المثال، وإن كان هو السبيل الأول لتمكّن جميع أجهزة الدولة من أداء مهامها كافة، بأمن وأمان.

لقد تم تشويه تعامل رجال أمن الدولة السعودي، وعلى وجه الخصوص رجال المباحث العامة، عبر الأبواق المعادية لكل ما هو وطني أمام أممية الإسلامويين.

ونجحت جهود رئاسة أمن الدولة بامتياز في تجاوز هذه التشويهات المتعمدة، عندما قامت الرئاسة -منذ إنشائها كجهاز مستقل- بالحضور اللافت في كل المحافل الوطنية الممكنة، إذ تشارك الرئاسة بأكبر الأجنحة تقريبا وأميزها، من جهة التصميم والنشاط، وأكثر ما يلفت الانتباه ويشد الإعجاب، تلك الثقة المتناهية بالنفس، والهدف والسبيل، حينما يدعو رجال الجهاز عموم المواطنين إلى زيارة سجون المباحث العامة، ورؤية الحقيقة، والكشف الميداني المباشر عمَّا ينسج حول تلك السجون من أكاذيب وتضليل، يراد منه نزع الثقة بين الدولة والمواطن.

وأجاد الجهاز حينما قام بدعوة كثير من الإعلاميين والمثقفين ووجهاء المجتمع لزيارة النزلاء، ومخالطتهم والجلوس معهم في مختلف أحوالهم خلال أكلهم وشربهم ولعبهم وجدّهم، وتم نشر كل ذلك في الصحافة والقنوات، وكأننا في جامعة أو معهد، علم وترفيه وحب وجمال. وما زلت أذكر أصداء زيارة الإعلامي عبدالعزيز قاسم، وآخرين معه، لأحد سجون الرئاسة، وتكذيب القاصي والداني له، أو على الأقل التشكيك في كلامه، وكيف انعكس الأمر اليوم، إلى مزيد من الثقة والاعتزاز والفخر برجال الأمن الوطني ومسؤوليه.

ورأينا كلنا المقابلات التي أجراها عبدالله المديفر، مع بعض أبنائنا الذين ضلوا السبيل، سواء من السنّة أو من الشيعة، وكيف تم تقويمهم بالعقاب الرحيم، وإن كان صارما، وسمعناهم ورأيناهم وهم يتحدثون عن طريقة التعامل وأسلوب التقويم.

وفي هذا الصدد، يذكر أحد الأصدقاء كيف نُقِل نزيل محكوم بعدة سنوات حبس، بطائرة خاصة ليقضي أياما مع أهله في منطقة نائية عن مكان سجنه، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل ودخل على والديه وزوجته وأبنائه محملا بالعيديات الممنوحة من رئاسة أمن الدولة نفسها «جهة تطبيق وتنفيذ العقاب»، وأنا هنا أنقل عن مصدر قريب من النزيل الكريم.

وفي زمن مضى، حدثنا الراحل حمود العقلاء الشعيبي، عن فترة سجنه عام 1416 للهجرة، في سجن الحائر بالرياض لـ45 يوما تقريبا، فقال: إنه سُجن في مكان لائق، وتحت إشراف طبي عالي الكفاءة، وتمت العناية بتغذيته عناية لا مثيل لها في أي مكان، وكان يجد الوقت الكافي للعبادة، لدرجة أنه كان يختم القرآن الكريم يوميا، وذكر لنا أن عدد ختماته بلغت 43 ختمة، وتمكّن من تأبير النخل الموجود في فناء المكان الذي سجن فيه، وكان تعامل المحققين معه كما يتعاملون مع والدهم.

فهل يمكن أن نسمي هذا الجهاز جهاز قمع أو جهاز تعذيب، أو مصادرة حرية، ومصادرة رأي، كما يقول ذلك أرباب الخيانات. وحينما ينبري بعض من لا خلاق لهم ليضلل الناس، ويقول يكفي أنهم يقمعون الحريات، ويكممون الأفواه، فأسهل ردٍ على هذه الخزعبلات، هو السؤال عن السبب، الذي أجبر الجهات الأمنية على إيقافك، أو وضعك على قائمة المطلوبين. فهل يعقل أن يُترك حرّا طليقا بلا ردع ولا حساب، من يخطط لزعزعة أمن الوطن، وزرع الخوف في قلب المواطن؟! وهل من المعقول أن يُترَك من يروم خلق الفتن وإثارة الفوضى وتضليل الناس بكلامه وإشاراته وإيماءاته؟!

لا أظن أن هذا مندرج تحت بند حرية قول أو حرية فعل، ولا أظن عاقلا سيقول بهذا القول العليل.

أحد أهم المهام الرئيسية التي يقوم عليها عمل رئاسة أمن الدولة، هو ترسيخ الانتماء الوطني، ومحاربة الفكر المتطرف، ومن هنا أبدعت الرئاسة حينما أنشأت الإدارة العامة لمكافحة التطرف، كواحدة من أهم الإدارات العاملة في الجهاز، والتي اتخذت شعارا معبّرا «أمننا في وحدتنا»، ووضعت نصب عينيها كرؤية «التميز المحلي والعالمي في مكافحة التطرف»، وهو ما كان بالفعل، إذ أصبحت جهود المملكة في مكافحة التطرف نبراسا عالميا يُحتذى، وتقوم رسالة هذه الإدارة المبدعة على: «مكافحة التطرف بأشكاله وصوره كافة، وتعزيز قيم الاعتدال والوحدة الوطنية، والانتماء الوطني»، وفق قيم: «التحصين، والاعتدال، والانتماء الوطني، والتكامل، والمسؤولية». وكان لا بد لهذه الرؤية والرسالة والقيم الكبيرة والعميقة من خطة إستراتيجية توازيها، وأهداف عظمية تسعى إليها الإدارة، والتي من أهمها:

1. وقاية المجتمع من الانحرافات والمهددات الفكرية واستشرافها ومعالجتها

2. تعزيز قيم الاعتدال والوحدة الوطنية والانتماء الوطني

3. التكامل مع الجهات ذات العلاقة والاهتمام لمكافحة التطرف

4. إبراز جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف داخليّا وخارجيّا

وعودة إلى حديث «ود قلبا»، يتضح جليًا خلال ما ذكره، أن رجل الأمن في أي قطاع كان، هو في النهاية مواطن وإنسان يؤدي واجبه الوطني، كما يؤدي أي موظف في بقية قطاعات الدولة واجباته، لا يهمه من يكون الذي أمامه ممن هو تحت طائلة المساءلة والاتهام، بقدر ما يهمه أمن وطنه، وحمايته من أي شر أو ضرر.

أخيرا، أكثروا من الدعاء والثناء على رجال أمننا البواسل، وأحبّوهم من قلوبكم، وعلّموا أبناءكم حبهم، فهم الذائدون عنا وعن وطننا ومقدراتنا، ومقدرات الأجيال السعودية القادمة، وهم صمام الحماية والأمان الأول، بعد عناية الله.

كتب الله أجرهم، وأعلى شأنهم، وأعزّ الله وطننا، ومليكنا وولي عهده.