يعد النظام أحد أهم الركائز في بناء المجتمعات، ودفع الظلم ومنع الفوضى، فعندما يسود النظام يكون دفع الظلم والفوضى من أولويات تلك المجتمعات. ورغم المقولة الشهيرة (إنني أفضل الظلم على الفوضى)، إلا أنه من المؤكد أن النظام الذي ينتج عنه الالتزام بالقانون، لن يكون هناك مجال للتفضيل بين الظلم والفوضى، لأن مال كليهما إلى الزوال، وهذا ما يتحقق مع تفعيل الأنظمة واحترامها.

الذوق العام هو مجموعة من الآداب السلوكية والاجتماعية التي تنطوي تحت إطار اللباقة، التي يفرضها الزمان والمكان. ومنبع الذوق العام هو الثقافة الإنسانية والسلوكيات المتعارف عليها، وتحكمها اللوائح والأنظمة التي تفرضها البلد. ويأخذ الإضرار بالذوق العام عدة أشكال، كالتلفظ وإصدار بعض الأفعال بالأماكن العامة، والتي قد تؤدي إلى تهديد الآخرين وضررهم. كذلك ارتداء الملابس غير اللائقة، أو التي تحمل صورا وعبارات خادشة، أو تلك التي تسهم في رمزية عنصرية وإثارة نعرات قبلية أو طائفية، كذلك ما يروج للإباحية والمخدرات. كما أن الكتابة على الجدران ووضع الملصقات والمنشورات في الأماكن العامة مما يشوه جمال تلك الأماكن، ويساهم في رسم صورة غير مرضية عنها. أما عدم احترام النظام وتخطي الطوابير فهو عمل مستفز، عدا تلك الحالات المستثناة والتي يجب أن نبادر بمساعدتها وتقديم الخدمة لها. ويجب ألا ننسى الاعتداء على خصوصية الأشخاص وتصويرهم والتشهير بهم، لاسيما في المواقف المأساوية والمحزنة كالحوادث الجنائية والمرورية. ويجب ألا ننسى احترام السمة الدينية التي جبلنا عليها باحترام المساجد والأذان والصلاة وخصوصية المجتمع. وكم مرة رأينا مقعدا أو مرافق لذوي الاحتياجات الخاصة، قد تم شغلها بشخص مقتدر دون احترام لتلك الفئة أو تقدير لتلك الإعاقة. ومع تطبيق لائحة الذوق العام ستتلاشى كل تلك السلبيات والتي ظلت صامدة رغم النصائح والخطب والانتقادات.

ولأن القضاء هو الحصن الحصين لحماية المجتمعات والأفراد ومنع الظلم والفوضى فقد كان لزاما أن يكون نزيها مستقلا، حاميا لمنظومته أولا وللمجتمع من كل تجاوز، أو استشعار أن هناك من هو فوق طائلة القضاء أو قادر على تجاوز حدود النظام.

قبل سنوات كانت قضية القاضي الذي دافع عن تهمته بأنه قد تلبسه الجان، وأنه غير مسؤول عن تصرفاته وأفعاله، لم يقتنع أحد أو يصدق كيف تم قبول مثل هذا العذر، وكان الأمر مثارا للاستغراب، ما جعل أبطال طاش ما طاش يجسدون ما حصل في قالب كوميدي. مرت الأعوام على تلك الحادثة ومع حركة الإصلاح التي تشهدها المملكة حاليا، تم إصلاح حتى عيوب الماضي، فأزالت مشاعر السخرية وبرأت الجان من أفعال النفس الأمارة بالسوء التي أغواها الشيطان عن حمل الأمانة وحفظ النظام.

خشي البعض من قيادة المرأة وعملها في الأماكن العامة، وأنها ستكون مستهدفة، وقد تتعرض للكثير من المضايقات، إلا أن قانون السماح بالقيادة والعمل تزامن مع قانون منع التحرش، ففرض النظام هيبته وتبددت المخاوف، واستفادت المرأة التي كانت لا تجد من يقضي حاجاتها أو يوفر مصروفا لعائلتها.

وأخيرا ما يقارب عشرين قتيلا كل يوم بسبب حوادث الطرق، والآلاف من المقعدين والعجزة، فكان النظام الذي قلل حصد الأبرياء وحفظ روح الشباب.