يقال تاريخيا إن أكثر الناس شدة في التمسك بآرائهم هم علماء الدين والأطباء (وكان يطلق عليهم الحكماء)، وهذا ربما ناتج عن عدة عوامل، منها طول فترة التعلم، وأيضا الحرص الزائد، وقد تكون الصورة أمام المجتمع لها تأثير أيضا، لذلك من الصعوبة بمكان أن يتقبل هؤلاء الجديد أو المختلف لما تعودوا عليه، ودائما يكون التغيير في هذين المجالين أبطأ من بقية المجالات، ولهم وجهة نظر تحترم أن هذين المجالين مهمان ومتعلقان بدين الناس وحياتهم، لذلك نجدهم أكثر حذرا من غيرهم.

فرح كثيرون وباركوا إدخال أول علاج جيني للعيون في المملكة، وهذه خطوة ممتازة، في الوقت نفسه قبل أسابيع كنت أسمع من طلاب الطب ومن بعض الأطباء في إحدى مناطق الشرق الأوسط عندما كنا نشرح لهم العلاج الجيني أنهم ما زالوا يدرسون لهم في الكليات أن كل العلاج الجيني ما زال مجرد تجارب!! فاستغربت الموضوع كيف يدرس هذا المنهج القديم جدا الخاطئ، كما شرحت في أكثر من مناسبة أن هناك حوالي 10 أدوية علاج جيني معتمدة حول العالم لمختلف الأمراض، وحوالي 4 منها معتمدة في أميركا، لكن بسبب غلاء أسعارها فإنها ليست متواجدة في الشرق الأوسط بكثرة، لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة، بل هي معتمدة من هيئات الدواء والغذاء، نحن نتكلم عن أسعار العلاج الواحد حوالي 1 - 2 مليون دولار، لذلك لا تستطيع غالبية المستشفيات توفيره، لكن لا يعني ذلك أنه غير موجود في بقية أنحاء العالم.

أذكر أنني تكلمت عن العلاج الجيني في مقال قديم السنة الماضية بعنوان (السعوديون من أصول إسبانية)، وذكرت بعض المعلومات عنه، وأنه موجود في الدول المتقدمة ومشكلة السعر، لكن استغربت حاليا أن بعض الوسط الطبي يسأل أن هذا شيء جديد عندما نُشر خبر إدخال علاج العيون، بصراحة هو موجود من مدة، لكنه الآن وصل المنطقة!.

كان هناك تخوف من البعض لأنه علم جديد، والمتعارف عليه أن المجتمع يتخوف من الجديد في كل المجالات، إذا جوال أبو كاميرا تخوفوا منه فما بالك بعلاج وحياة إنسان!.

قبل فترة كنت أقول في إحدى محاضراتي في دولة أخرى في الشـرق الأوسـط عن العلاجات الجينية، إنه خلال السـنوات القليلة المقبلة سترون عشرات العلاجات الجينية التي سيتم اعتمادها، فسألني أحد الحضور متى ستصل إلى منطقتنا، فـقلت ببساطة: هي كالموجة مهما حاول البعض المقاومة ستغمره، وسيأتي اليوم الذي يشترونه، سينظرون إلى جامعات العالم المتقدم وسيحاولون مواكبتها!

هناك جانب إيجابي وسلبي في الموضوع، الإيجابي أن العلاج الجيني وصل كالعادة رغم المقاومة، الجانب السـلبي أنه كالعادة الشعوب العربية والخليجية مستهلكة!.

الآن في عالم الطب الحديث وطب المستقبل وبدخول الطب التجديدي، العلاج الجيني والطب الشخصي، أصبحت الأدوية تفصل على مقاييس المريض، وطبعا عالمنا العربي له خصائصه الجينية المختلفة بعض الشيء عن البقية، عموما ما يهم أن العرب شعب مستهلك، سيقومون بشراء حتى الأدوية المخصصة لكي تلائم جيناتهم من الشركات في العالم المتقدم! هذا انطباعي الأولي، لكن أعتقد أن رؤية 2030 ربما تغير العقليات، ويصبح الخليج مركزا طبيا لإنتاج علاجاته على الأقل الخاصة بطبيعته الجينية بدل إحضار شركات أجنبية لكي تبحث له وتنتج له.

للأسف الصحوة أثرت في العقلية في جميع المجالات، ومنها الطب كأي مجال آخر، والخوف من الجديد يبقى للبعض هاجسا، حتى ولو لم يشعر الإنسان يكون العقل الباطني تبرمج لمحاربة الجديد، لكن (وين كنا ووين صرنا)، كان الوضع عندما تتكلم عن العلاج الجيني والطب التجديدي كأنك تتكلم لغة من المريخ، والغالبية في العالم العربي لا يهتم، والآن على الأقل بدأنا الخطوة الأولى وهي الاستخدام، وآمل أن نصل إلى مرحلة التصنيع يوما ما!.

الآن آن الأوان بوجود رؤية 2030 للتركيز على طب المستقبل كالعلاج الجيني، الطب التجديدي، الطب الشخصي، إيقاف الشيخوخة، الذكاء الصناعي الطبي... إلخ.

للأسف أرى البعض بدأ يقفز من مركب إلى آخر ويتبع الموضة دون خلفية علمية، هذه المجالات تحتاج إلى الإكلينيكي والعلماء، هذه المجالات دقيقة جدا وجديدة، وادعاء البعض الخبرة لعقود في المجال الطبي لا يفيد لأنه مجال جديد كليا، فمهما بلغت درجة الشخص يجب أن يتعلم الأساسيات من جديد، ولا يقفز لمركب جديد معقد دون خلفية جديدة، فقط اعتمادا على خبراته الطبية السابقة.

في الأخير، سعيد جدا أن رؤية 2030 بدأت تبث الحيوية وتطرد النعاس عن بعض الكوادر الطبية لينضموا لطب المستقبل.

عالمنا العربي له خصائصه الجينية المختلفة بعض الشيء عن البقية، والعرب مستهلكون، سيقومون بشراء حتى الأدوية المخصصة لكي تلائم جيناتهم من الشركات في العالم المتقدم