العمر مجرد رقم في صفحات الحياة، هناك من بلغ التسعين وما زال يتمتع بروح وعطاء الشباب، وهناك من لا يزال في الأربعين، وقد أناخ ركابه وفترت همته ونضب معين عطائه، وهذا قرار كل شخص لست بصدده، كلامي عمن بلغ الخمسين أو تجاوزها وهو لا يزال في قمة توهجه وعطائه، ويمتلك نظرة تفاؤلية وشغفا للحياة، لكنه يعاني مع بعض أطياف المجتمع الذين حين يرونه، يبادؤونه برسائل الإحباط والتثبيط، ويعزونه في شبابه ونضارته المفقودين بزعمهم، بل إن بعضهم يقدم له الوصفات الطبية المناسبة لمثل هذا السن وبزعمهم أيضاً، لعل أبسطها ضرورة تجنب ضربات الشمس ولفحات الهواء، وأن يبادر بشراء العكاز تحسباً للسقوط!!

وإن اهتم بنفسه ومظهره عابوا عليه ذلك وعدوه كهلاً مُتصابياً ينافس الشباب في بضاعتهم واختصاصهم.

صنعوا منه إنساناً آخر بعد أن كانت الحياة والمستقبل أمامه، جعلوها خلفه، وتركوه ينغمس في همومه، ويتحين الموت وينتظره على قارعة الطريق؛ بل إن بعضهم ممن استجاب لهم اعتراه الهم وطاوله الغم ونهشه السقم مما سمعه من تشخيصهم ونصائحهم المعتبرة!!!

ما يمارسه البعض هنا من نظرة سلبية للحياة، ينم عن فهم قاصر للحياة عامة وللشريعة الإسلامية خاصة، فديننا دين الأمل والتفاؤل، دين العمل الدؤوب من المهد إلى اللحد، دين القوة والنشاط والحيوية والاهتمام بالمظهر، فالله جميل يحب الجمال، والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، فليس القشف والزهد المبالغ فيه دليل على الورع والتقوى.

ما نراه من التعامل في الغرب من التعامل مع كبار السن فضلا عمن هم في منتصف العمر، يوحي لك بأنهم فهموا ديننا فطبقوا تعاليمه سلوكياً وإن لم يمارسوه اعتقاداً وتديناً، فهم يدعمون أنشطتهم ويحسسونهم بقيمتهم ويجلون خبراتهم ويعززون فيهم جانب البذل والعطاء والاستمرار في التشبث بالحياة عكس ما يمارسه البعض هنا.

في الختام هناك بعض الفيتامينات المطلوب تناولها على مائدة العمر الخمسيني، لعل أهمها الثقة بالنفس والشعور الدائم بالحيوية والنشاط والتفاؤل وحب الحياة والشغف المستمر بالإبداع، والتجديد والبعد عن المحبطين والمثبطين، وتغذية العقل الباطن بالرسائل الإيجابية، وتحمل المسؤوليات المناسبة المعتمدة على النشاط الذهني والفكري قليلة الجهد كبيرة الفائدة