تختصر طبيعة العلاقات ونوعها والأطراف المشتركة فيها الأسلوب المتبع الذي تقوم عليه تلك العلاقات، وعليه تتم استمراريتها بالشكل الصحيح الذي تتحقق معه العلاقات الإيجابية. وتتصف علاقة التلميذ أو الطالب بمعلمه بالعلاقة التربوية الأبوية المبنية على الثقة والتعامل الواضح وإدراك الطرفين لدورهما المهم في هذه العلاقة، بحيث يستوعب المعلم أن دوره مع أبنائه الطلاب هو دور المربي والمعلم والقدوة والمرشد الناصح، ويقابله تلاميذه بالاحترام والتقدير والطاعة والامتنان، والأهم من هذا كله هو بناء علاقة وثيقة بين المعلم وأولياء أمور طلابه حتى يكتمل العقد ويؤدي المعلم دوراً تربوياً هاماً. إلا أن زعزعة هذه الصورة الذهنية وكسر هيبة المعلم بالاعتداء عليه والتقليل منه أمام طلابه تمحو جميع ما سبق ذكره من إيجابيات تلك العلاقة، حيث أصبحنا نسمع عن اعتداءات أولياء أمور على معلمين في حصصهم وأمام طلابهم، الأمر الذي يهدم كل ما تبنيه المناهج التعليمية من آداب وخلق في شخصية الطلاب، وبالتالي يتراجع احترام المعلم ويصبح كل ما يعلمهم إياه مستقبلاً لا يؤخذ بمحمل الجد في تعلمه وإتقانه. قبل ما يقارب أسبوع في الباحة، ولي أمر يصفع معلما أمام طلابه لسبب سخيف لا يعقل، ويدل على ما وصله بعض أولياء الأمور من جهل وتخلف وعنجهية، وذلك لمجرد أن المعلم اتبع النظام، وحرص على تحمل المسؤولية تجاه طلابه، ورفض إخراج الطالب مع شخص ادعى أنه ولي أمره، ولم يظهر أي وثيقة رسمية تثبت صلة القرابة بينه والطالب المعني بعد أن هدده «هات الولد لا أعطيك مخمس»، ومباشرة سدد له «المخمس» دون أدنى احترام وتقدير لمعلم ابنه، أمام الابن وبقية الطلاب، وكان خطأ المعلم الوحيد هو اتباعه النظام، وحرصه على حماية طلابه وسلامتهم. وقبل يومين هنا في جنوب الرياض، ولي أمر يعتدي على معلم في فصله وأمام طلابه لسبب آخر ليس عقلانيا، ولا يعني هذا أن هناك أسبابا تسمح لولي الأمر بالاعتداء على المعلم، فهناك إدارة يشتكي لها ولي الأمر، وبعد مناقشة المعلم يعطى الطالب وولي أمره حقهما إن وجد. ولو تأملنا أسباب غالبية اعتداءات أولياء الأمور على المعلمين نجدها أسبابا واهية وحججا باطلة، ولكن التعامل مع هؤلاء المعتدين بأساليب سمحة رغم خطورة الخطأ الذي اقترفوه جعلهم يتمادون في ذلك. ولم تكن الجرأة على المعلم والتعدي عليه حديثة عهد أو أمرا طارئا، لكن هذه السلوكيات أخذت تتزايد لأسباب مختلفة لست هنا للحديث عنها، وكل ما أخشاه إذ لم تكن هناك عقوبات رادعة لمثل هؤلاء أن تنعدم هيبة المعلم، وبالتالي تتراجع مع ذلك العملية التعليمية، إذ إن المعلم أهم عناصرها. وحول أهمية المعلم ودوره في النهوض برقي وتقدم مستوى التعليم الذي بدوره ينهض بوطن وأمة كاملة، عنيت وزارة التعليم بوضع النظم التي تكفل إعداد المعلم بطريقة علمية تؤهله لأداء هذا الدور بكفاءة واقتدار، إلا أنه بقي وضع قانون يحمي المعلم وهيبته ومكانته في المجتمع.

هنا لا أطالب بتقديس المعلم ومعاملته معاملة مختلفة عن بقية موظفي الدولة، إنما المساواة، وإقرار قانون يحميه ويحفظ له هيبته، أسوةً بالممارس الصحي الذي اعتبرت هيئة التخصصات الصحية الاعتداء عليه لفظياً أو جسدياً جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة عشر سنوات وغرامة تصل إلى مليون ريال. وبعد هذا القانون لم نعد نشهد أي اعتداء على الممارسين الصحيين، لذا وفي ظل ما نشهده اليوم من جرأة على المعلمين، وتزايد حالات الاعتداء عليهم، أعتقد أنه حان الوقت لتضع وزارة التعليم قانوناً يحمي منسوبيها وتحديداً المعلمين من اعتداءات أولياء الأمور، وتسوية الخلافات بطرق حضارية وإنسانية لا بالعدوانية.