يتوافد المشرفون التربويون على المدارس في كل صباح إما بشكل مباشر أو بالتنسيق المسبق حول زياراتهم الميدانية للتخصصات التعليمية، ويتم إبلاغ المعلمين والمعلمات بذلك، وتتهيأ المدرسة لاستقبال منسوبي الإشراف من كرمِ الضيافة ونظافة المدرسة والحضور المبكر للهيئة الإدارية والتعليمية وحسن ترتيب الطابور الصباحي والهدوء والانضباط في المدرسة وتنبيه الطلبة للنظام والتعاون.

ويقوم «المعلم والمعلمة» بالاستعداد الجاد، وإعداد دفتر التحضير والمرجعيات المطلوبة، وتهيئة الوسائل وأجهزة العرض، وطرح واحدة أو أكثر من إستراتيجيات التعلم النشط، وترتيب المقاعد ونظافة الفصل واختيار الصف الدراسي الأفضل تفوقاً، والعمل على رفع معنويات الطلبة وطلب الدعم منهم في المشاركة والهدوء، وإعطاء الصورة الحسنة وتقديم الحوافز المعنوية والدرجات لهم بعد انتهاء الزيارة الإشرافية ومستوى الرضا عن الأداء من المشرفين والمشرفات.

وتبقى كل حصة دراسية فيها زيارة إشرافية حاضرة في ذاكرة الطلبة، ويتمنون إعادة تجربتها بين الفينة والأخرى، فهم يُشاهدون معلميهم ومعلماتهم بصورتهم النموذجية وحسن تعاملهم وطيب نفوسهم وكرم خِصالهم، فتكون تعاملاتهم رقيقة وإشاراتهم لطيفة وطاقتهم حيوية ووجوههم بشوشة وأداؤهم مميزاً وعرضهم للوسائل والأجهزة التعليمية جذاباً ومتنوعاً، واستخدامهم لطرق إستراتيجيات التعلم النشط والمجموعات بين الطلاب مُشوقا وممتعا، والتحفيز بعبارات الثناء على أداء الطلبة رائعا.

وما أن يرن جرس الحصة بالانتهاء ويخرج الإشراف من الفصل ويُودع المدرسة بالفخر والاعتزاز، وأنه لم يرَ مثل هذا التميز في الأداء يعود اليوم المدرسي والحصص الدراسية إلى ما كانت عليه سابقاً من الروتين واللامبالاة، وتعود مقاعد الطلبة إلى شكلها العادي، وتعلو لغة الوعيد والصراخ من المعلمين، ويتم إرجاع الأدوات التي تمت استعارتها لتحسين الصورة في الأداء، وتخرج الأدوات التي تم إخفاؤها، ويبدأ التصفح في أجهزة الهواتف، والرد على المكالمات، وتعود الطريقة الإلقائية في التعليم من جديد، وترتفع حِدة الصوت وبعض الألفاظ النابية، وتعلو لغة اليد في فرض المطلوب والعقاب، والتهديد بالدرجات والأسئلة، ويبدأ التأخير في دخول الحصص بدقائق أكثر من معدودة، والخروج قبل نهايتها بمثل ما بدأت، وتُختتم الحصة بالسؤال: هل فهمتم يا طلاب، ويأتي الرد السريع نعم نعم يا أستاذ.

منذ أن بدأ التعليم في بلادنا بدأت معه الحاجة إلى معرفة تقييم الأداء في الميدان التعليمي، فكان التفتيش أول مراحله، وكانت المهمة فيه تنحصر على المباغتة وكشف الأخطاء والوقوف على أثر المعلم في التحصيل، ثم تم الانتقال إلى التوجيه التربوي الذي يُعنى بتوجيه التعليم مباشرةً دون بحث أو تقصي وتقديم النصح للمعلم بدلاً من التفتيش عليه، ومؤخراً تطور الإشراف التربوي والاهتمام بالمفهوم الشامل للإشراف، حيث يسعى إلى تحليل جميع العوامل المؤثرة في التعليم، واهتمام المشرف بالتخطيط للإشراف التربوي وتحديد التغيرات التي يسعى إلى إحداثها، لكن هذا التوصيف من حيث التنظير صحيح ومن حيث الواقع والتطبيق فمختلف وبعيد، فما زال الإشراف يحمل في طياته من فكر التفتيش بأسلوب جديد، ويقوم المعلمون والمعلمات بالالتفاف على الإشراف وإعطائهم صورة مميزة خالية من الأخطاء، حيث إن عودة الاختبارات بعد فشل التقويم المستمر تعد دليلاً على ذلك.

لقد تمكن المعلمون والمعلمات من تقديم صورة نموذجية لأدائهم عبر الاستعداد والتمثيل المتميز في الزيارات الإشرافية الصفية، من أجل الثناء وتقييم الأداء الوظيفي، وتساهلوا في رسم صورة خاطئة وقاتمة في أذهان ونفوس طلبتهم عن شخصيتهم بين ما يرونه إبداعا في حصص زيارة المشرفين والمشرفات، وبين واقعهم العادي في الحصص الدراسية، ولا أعتقد أن المشرفين والمشرفات قد صدَّقوا مشاهداتهم اليومية في الميدان التعليمي، لكن عجزهم عن تحويل العملية الإشرافية إلى عملية يتم فيها التقويم والتطوير المستمر والفعلي للعملية التعليمية ومتابعة تنفيذ كل ما يتعلق بها لتحقيق الأهداف التربوية هي التي جعلتهم يُسايرون هذا الأداء المُصطنع، ويقفون عاجزين عن تغييره والقبول بشكله الجذاب.