رفع الله شأن العلماء الراسخين، واستشهد بهم من دون سائر الناس على أعظم مشهود وهو التوحيد، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته كما قال تعالى: (شهد الله أنه لَا إِلَٰهَ إِلَّا هو وَالْمَلَائِكَة وَأُولُو الْعِلْم قَائِمًا بِالْقِسْط لا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم)، وليس كل عالم يعد من الراسخين في العلم، والعلم ليس بمجرد المحفوظات، ولا بكثرة الكلام، وإنما العلم الخشية من الله، كما قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، والعلم هو لزوم جماعة المسلمين وإمامهم عملا بالحديث الذي رواه البخاري (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، والعلم هو العقل الراشد، وفقه المآلات، وتقديم المصالح العظمى، العلم هو الثبات على الحق وعدم التلون لمآرب دنيوية، ومكاسب شخصية انتهازية.

العلم: هو تعظيم الحق، ورحمة الخلق، والنصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

وبلادنا المملكة العربية السعودية تزخر -بحمد الله- بعلماء راسخين، ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وسأذكر مواقف لبعضهم يتبين فيها نصحهم وصدقهم وسلامة المنهج الذي يوصون به، وأبدأ ذلك بالشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن الإمام محمد بن عبدالوهاب، رحمهم الله جميعا.

فقد كتب نصيحة خاصة لأحد الدعاة من القضاة، وهي وإن كانت خاصة إلا أنها منهج نافع لكل أحد، لا سيما طلاب العلم، لتضمنها معاني سامية، تدل عليها الأدلة من الكتاب والسنة.

قال رحمه الله: (من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الشيخ عبدالعزيز بن..... المحترم سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بلغني أن موقفك مع الإمارة ليس كما ينبغي، وتدري بارك الله فيك أن الإمارة ما قصد بها إلا نفع الرعية، وليس من شرطها أن لا يقع منها زلل، والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير، ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد وإفتاء بين المتخاصمين، ونصيحة الأمير والمأمور بالسر وبنية خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين، ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصب عينيك والقاضية على فكرك والحاكمة على تصرفاتك، بل في السر قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهِر وصرح بما أوجب الله من حق الإمارة والسمع والطاعة لها، وأنها لم تأت لجباية أموال وظلم دماء وأعراض من المسلمين، ولم تفعل ذلك أصلًا، إلا أنها غير معصومة فقط، فأنت كن وإياها أخوين: أحدهما مبين واعظ ناصح، والآخر باذل ما يجب عليه كاف عما ليس له، إن أحسن دعا له بالخير ونشط عليه، وإن قصر عومل بما أسلفت لك، ولا يظهر عليك عند الرعية، لا سيما المتظلمين بالباطل- عتبك على الأمير وانتقادك إياه، لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء، وغير ما تعبدت به، إنما تعبدت بما قدمت لك ونحوه، وأن تكون جامع شمل، لا مشتتا، مؤلفا لا منفرا، واذكر وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ وأبي موسى: [يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا]، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-، وأنا لم أكتب لك ذلك لغرض سوى النصيحة لك وللأمير ولكافة الجماعة ولإمام المسلمين،

والله ولي التوفيق، والسلام عليكم].