تكتسب الدول أهميتها ومكانتها الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياحية، ودورها المحوري من عدة عناصر ومقومات، قل ما توجد مجتمعة في دولة معينة.

وبلادنا -ولله الحمد- شرفها الله -سبحانه وتعالى- بأقدس مقدسات الإسلام (البيت الحرام، ومسجد الرسول الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم)، مما جعلها مهوى أفئدة المسلمين، وحباها بموقع إستراتيجي مهم بين ثلاث قارات، وإطلالة على بعض أهم الممرات البحرية، لتصبح بذلك أهم بوابة للعالم ومركز ربط لتلك القارات الثلاث، آسيا وإفريقيا وأوروبا، إضافة إلى سعة رقعتها الجغرافية وعمقها الإستراتيجي وتنوع طبيعتها ومناخها. كما تتميز المملكة بامتلاك ثروة ضخمة من المصادر الطبيعية، من أهمها النفط والغاز اللذان أنشئ لهما أضخم التجهيزات والمصانع البتروكيميائية في العالم، بالإضافة إلى ثروة معدنية متنوعة.

وتشهد المملكة العربية السعودية منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، في 3 ربيع الآخر 1436، الموافق 23 يناير 2015، العديد من الإصلاحات الواسعة والتحولات الكبرى، الهادفة إلى تحويل المملكة إلى قوة اقتصادية واستثمارية عالمية، وإنهاء الاعتماد على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد السعودي.

ومن أهم تلك الإصلاحات والتحولات «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، التي أعلنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ووافق عليها مجلس الوزراء خلال جلسته التي عقدها الإثنين 18 رجب 1437، الموافق 25 أبريل 2016، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث وجه -حفظه الله- مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برسمها.

ولا شك أن رؤية المملكة 2030 وما اشتملت عليه من مشروع التحول الوطني، هي خطة جريئة وطموحة، وتحوّل جوهري في سياسة المملكة الاقتصادية والتنموية الهادفة إلى رسم عصر جديد مشرق -بإذن الله- للوطن والمواطنين. كما ستكون قوة ومحرّكاً أساسيا لتنويع مصادر اقتصاد المملكة وتحقيق استدامته، وإعداد قاعدة متينة لبناء اقتصاد سعودي مؤسسي ورسم خارطة طريق تفصيلية للنهج الذي يمكن أن تسير عليه المملكة على المدى الزمني القريب، ومن ثم البعيد، بإذن الله.

وتعتمد رؤية المملكة 2030 في تحقيق أهدافها على ثلاثة محاور رئيسية هي: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح. وفي كل محور من هذه المحاور تم سرد العديد من الحقائق والالتزامات والأهداف، والتي تمثّل نموذجا ممّا ستعمل الرؤية على تحقيقه.

ومن أبرز أهداف ومضامين الرؤية، كما أعلنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان:

تحويل صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بأكثر من تريليونين ونصف تريليون دولار، ليصبح بذلك «أضخم» الصناديق السيادية العالمية. كما تهدف الرؤية إلى التقليل من الاعتماد على النفط، وذلك من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية ستة أضعاف، (أي من نحو 43.5 مليار دولار إلى حوالي 261 مليار دولار سنويا)، وزيادة حصة الصادرات غير النفطية من 16% من الناتج المحلي حاليا إلى 50%. ومن أهداف الرؤية خصخصة شركة أرامكو عبر طرح حوالي خمسة بالمئة من الشركة في الاكتتاب العام، والذي تم طرح الجزء الأول منه في سوق الأسهم السعودية، ويمثل 1.5%. وتعتبر الشركة النفطية الوطنية العملاقة «أرامكو» جزءا مهما من رؤية المملكة 2030، وسوف تخصص عائدات الطرح لتمويل الصندوق السيادي السعودي. وهذا الإجراء له عدة فوائد، من أهمها الشفافية، حيث إن طرح أرامكو في السوق السعودي والأسواق العالمية يلزمها أن تعلن عن قوائمها المالية وتصبح تحت رقابة البنوك، كشركة قابضة ذات مجلس إدارة منتخب. كما تعتزم المملكة تطبيق نظام «البطاقة الخضراء» خلال خمس سنوات، وذلك لتحسين إجراءات الاستثمار وتمكين العرب والمسلمين من العيش طويلا في المملكة، كما أن المملكة فتحت السياحة أمام جميع الجنسيات، وزادت عدد المعتمرين سنويا من 8 ملايين إلى ثلاثين مليون معتمر بحلول عام 2030. ومن أهداف الرؤية 2030 زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل وخفض نسبة البطالة بين السعوديين. كما تسعى المملكة إلى إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة 100% للدولة، تُطرح لاحقا في سوق الأسهم السعودي. وسوف يكون لهذا القرار الأثر الإيجابي الكبير في توطين الصناعات العسكرية، وإيجاد خدمات مساندة وأنشطة صناعية متعددة، تسهم في خلق فرص عمل نوعية في المملكة، وتوفير جزء كبير من الإنفاق العسكري. وعملت المملكة على إعادة هيكلة قطاع الإسكان للمساهمة في رفع نسب تملك السعوديين، مع الاستمرار في الإنفاق على مشروعات البنية التحية. رؤية المملكة 2030، تقتضي الشفافية وتعزيز مكافحة الفساد. وقد أوضح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، أن الفساد موجود في كل المجتمعات وفي كل دول العالم، وبنسب مختلفة، ولكن الذي يهمنا أن تكون المملكة في مقدمة الدول في مكافحة الفساد، ولن نتهاون أو نتسامح مطلقا في ذلك، وسوف نعمل على تفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة، واستخدام مؤشرات قياس الأداء، والتوسع في استخدام التقنية الحديثة والخدمات والتعاملات الإلكترونية للمتابعة، وتحقيق النجاح في تنفيذ الأعمال والحد من الفساد.