شدني المقطع الذي انتشر أخيرا في تويتر، والذي يجيب فيه الشيخ سعد الشثري عن تساؤل أحد المتابعين، حول جواز توقيع زميله عنه حال تأخره عن العمل، ومع أن رد الشيخ كان في منتهى الحصافة والاتزان، حيث رأى عدم جواز هذا الأمر، إلا أنه استفاض بشكل كبير في أهمية إيقاظ الضمير الذاتي للموظف نفسه حيال عمله ووظيفته، وهذا بلا شك أمر صحيح وواجب، إلا أن المتخصصين في العلوم الإدارية لهم آراء أخرى في هذا الأمر، وهذا ما يهمني إطلاعكم عليه في هذه المقالة.

العلماء الإداريون يرون أن تأخير الموظف يندرج تحت الأعمال الرقابية على الإنجاز والإنتاج في المنظمة. وهذه الوظيفة (الرقابة) تعتبر هي إحدى الوظائف الأساسية للعمل الإداري. ولذلك فإنهم تحدثوا عن خطوات رئيسية للإجراءات الرقابية، حيث يقولون إن خطوات الرقابة هي:

1 - وضع المعايير: وهي النماذج ومستويات الأداء المترجمة فعليا عن الأهداف الأساسية للمنظمة، والتي تنقسم بدورها إلى معايير كمية مثل الأوقات والأرقام وما شابهها، ومعايير نوعية وهي تلك الأهداف والنشاطات التي لا يمكن التعبير عنها في شكل أرقام ونسب.

2 - تقييم الأداء الفعلي وفق المعايير: وهي المرحلة الجوهرية في عمليات الرقابة، حيث إن هذه النقطة تمثل مطابقة ما هو في الواقع مع ما تم تخطيطه في المعايير الأساسية للعمل.

3 - تصحيح الانحرافات: وهي البحث عن الأسباب التي أدت إلى الانحراف في العمل، وبالتالي معالجتها وفق خطط تحسينية وتطويرية متقنة تضمن عدم انحرافها مرة أخرى.

وفي المثال الذي جاء في أعلى المقال، فإنني أقول إن تأخر الموظف المتسائل لم يحدث إلا لعدم وجود رقابة معيارية لديه كما أوردها الباحثون أعلاه، حتى ولو كانت في منظمته معايير فإن الرقابة عليها شكلية فقط، وليست بالشكل المطلوب. ولذلك فإن الدعوة إلى تقوية الجانب الذاتي في الرقابة لن تأتي بأي تطوير وانضباط مستقبلي يذكر.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، ففي دراسة نشرتها جامعة الملك سعود عام 2013 حول دور الأجهزة الرقابية في رفع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية، توصل الباحثون في إحدى نتائجها إلى: (ضعف استجابة وتعاون الأجهزة الحكومية في الكشف عن الانحرافات في الأداء، وتدني مستوى وعي بعض المسؤولين والعاملين في الأجهزة الحكومية بأهمية دور أجهزة الرقابة، وضعف اهتمام الأجهزة الحكومية بمعرفة تقارير الأداء الصادرة من الجهاز الرقابي، وعدم وجود معايير ومؤشرات واضحة ومحددة لدى الأجهزة الحكومية تستطيع من خلالها الأجهزة الرقابية قياس الأداء)، كما ذكرت الدراسة التي كانت في 2013، ومن ذلك التاريخ تغيرت لدينا بوصلة الرقابة والأداء الحكومي، وعليه آمل أن نتائج الدراسة لو أعيدت سوف تتغير للأفضل، بإذن الله.

وبالمناسبة، في اليوم نفسه الذي تحدث فيه الشيخ سعد عن أهمية تغليب الرقابة الذاتية لدى الموظفين، جاءت تقارير صحفية تتحدث عن إيقاف النيابة العامة رجل أعمال استطاع رشوة موظف حكومي بمبالغ تصل إلى 75 مليون ريال نظير تمريره صفقة عقارات.