كَثر التساؤل حول سُبل الثراء وطرق الغنى وكيفية بلوغ مرتبة الاستقرار والأمن المالي، فهل هو سرٌ لَم تُعرف إجابته؟ أم هدفٌ صَعبت على البسطاءِ دُروبه؟ جَهل الكثيرون أن الكنز في أيديهم «وإن لم يتحكموا في مالهم حكمتهم قِلَتهُ للأبد»، مختبئون خلف عباءة الأعذار غير مدركين «أن أفضل وقت لادخار المال هو عند امتلاكهم بعضاً منه»، لقد أهملوا وضع الحدود لِمصروفاتهم ولَم يوقِنوا بأن النَفقات الصغيرة تسريبات من شأنها أن تُغرقهم وتُنغص عَليهم عيشهم، وأن الادخار درعٌ يَقيهم سِهام ما يحمله المستقبل في طياته، وقد يكون لهم ضوء من شأنهِ أن يُنير عتمة الأيام. فعلى الكثيرين أن يُعِيدوا النَظر في طريقةِ إنفاقهم ويتخذوا الادخار أسلوباً لِحياتهم.

يُعرف الادخار بأنه التنازل عن جزء من الكسب والدخل في الوقت الحاضر، بِغرض تحقيق أهداف مستقبلية أو للاستخدام الطارئ في محاولة التصدي لمجاهيل الزمان، فهو وسيلة المرء لتحقيق الأمان والتوازن المادي وتنمية الاستهلاك المستقبلي، وحماية الثروة من التدهور في ظل الظروف الاقتصادية المتقلبة.

إن الادخار فن وثقافة ومهارة على الأفراد أن يسعوا جاهدين لِتعلمه وتعليمه واكتسابه، ولا شك أن محاولة تغيير العادات المالية بالاعتدال في الصرف والاستهلاك لن يكون بالأمر السهل في بادئ الأمر، ولكن وإن كان الأمر متعباً، فهل سيكون أشد أو أقسى أو أمر من تعب الحاجة؟، لقد ربط الكثيرون مفهوم السعادة بالصرف والإنفاق وتقديم الكماليات على الأساسيات، فقد أُولِعُوا بِعيش حياة غير حياتهم، مُتناسين أن السعادة الحقيقية تكمن في وجود المال عند حاجتهم إليه، فعلى المرء أن يُبادر ويَسعى للتغيير، فَكثيرٌ من يتمنى وقليلٌ من يَعمل، فالأمر يحتاج لِلتخطيط الدقيق بعد تحديد الأولويات وضبط النفس والهوى على اتباع الخطة والالتزام بها «فلا مال لمن لا تدبير له».

وقد قِيلَ في الادخار «لا تدخر ما يتبقى بعد الإنفاق، أنفق ما يتبقى بعد الادخار» أحد أهم الحِكم، ومفاتيح الوعي المالي التي أَوصى بِها الملياردير Warren Buffet لِلتذكير بأهمية تنظيم المدخرات حتى قبل وَضع الخطة لِلنفقات، وقال أيضاً «إنك إذا كنت تشتري ما لا تحتاجه، سيأتي عليك الوقت الذي تضطر فيه لبيع ما تحتاجه»، مُشيراً إلى أهمية التحكم في النفقات، وأن تصنيف المُشتريات حسب الأولوية والاحتياج أحد العناصر الضرورية لِلتخطيط المالي الحكيم، فخذوا الحكمة من أفواه المليارديرية.

يُعتبر تحفيز الادخار والاستثمار والتمويل (برنامج تطوير القطاع المالي) أحد البرامج التنفيذية المهمة التي تهدف لتحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030. فَتتضح هنا أهمية الادخار التي جعلته أحد أهم الركائز والأُسس لتنمية الاقتصاد في رؤية المملكة، وذلك عن طريق تنويع مصادر الدخل ورفع معدل الادخار السنوي لدى الأسرة السعودية.

فمن واجبك كفرد من أفراد هذا المجتمع أن تساهم في نشر هذا الوعي وتطبيق هذه الثقافة. وأن تُحدد أولا، ما إذا كنت تُريد أن تصبح أنت الحاكم أم المحكوم؟ وتذكر جيداً أن «المال خادمٌ جيد ولكنه بالفعل سيدٌ فاشل».