يحتفل العالم في العاشر من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي لحقوق الإنسان (Human Rights Day)، وهو اليوم الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب قرار الأمم المتحدة، حيث تجسدت الإرادة العالمية في هذا اليوم التاريخي من أجل حماية حقوق الإنسان التي انتهكتها بشكل صارخ الحرب العالمية الثانية التي قتل فيها ملايين البشر معظمهم من المدنيين، وقد جاء هذا العام تحت شعار «الشباب يدافعون عن حقوق الإنسان»، في إشارة واضحة للدور الذي ينتظر العالم من فئة الشباب القيام به لتعزيز وترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان وسط المجتمع، اللافت في احتفال هذا العام هو تشديد المنظمة الدولية في أوراق العمل التي نشرتها بهذه المناسبة على أن حقوق الإنسان لا ينبغي تأطيرها في المفاهيم التقليدية المتعارف عليها، بل إنها تبدأ من الأسرة وتشمل حق الطفل منذ سنين حياته الأولى في التمتع بحقوقه الأساسية التي كفلتها له القوانين والدساتير والمعاهدات الدولية، وتتسع لتشمل جوانب عامة مثل تحقيق التنمية المستدامة للجميع.

المملكة وحقوق الإنسان

من يراجع تاريخ المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يتأكد أنها قامت منذ اليوم الأول على أحكام الشريعة الإسلامية السمحة التي تؤكد على المبادئ والقيم السامية التي تصون كرامة الإنسان وتحمي حقوقه، وعندما تولى مقاليد الحكم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أخذ على عاتقه مع ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان تعزيز قيم ومبادئ حقوق الإنسان، حيث تواصلت في السنوات الماضية الجهود المباركة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في السعودية من خلال التوجيهات الدائمة لرفع مستوى الأداء الحكومي، ومواصلة نهج التنمية الشاملة والمستدامة والارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطن والمقيم، حيث يعتبر تعزيز حقوق الإنسان في المملكة جزءا أصيلا من رؤية 2030، ولم تقف عند ذلك الحد، فقد تم تأسيس مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية الذي أسهم في إنقاذ أرواح الآلاف ليس فقط على المستوى العربي، بل على مستوى العالم، حيث يقوم مركز الملك سلمان بدور إنساني وإغاثي تجاه المجتمع الدولي، استشعارا من المملكة بأهمية هذا الجانب المؤثر في رفع المعاناة عن الإنسان أينما كان، وكانت أعمال مركز الملك سلمان للإغاثة مصدر تقدير من المؤسسات الدولية والأمم، حيث شهدت مؤسسات الأمم المتحدة أكثر من مرة بأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، عزز حقوق الإنسان ليس فقط على مستوى المملكة، بل على المستوى الدولي من خلال مساهماته في برامج الأمم المتحدة الإنسانية.

مأسسة حقوق الإنسان في السعودية

لعل أبرز الخطوات التي عمل عليها خادم الحرمين الشريفين ما يمكن أن نطلق عليه «مأسسة حقوق الإنسان»، من خلال حماية حقوق الإنسان عبر تطبيق أسس العدل والشورى والمساواة، وجعل أنظمة الدولة تتكامل في صيانة هذه الحقوق، وتحقيق العدل، وكفالة حرية التعبير، والتصدي لأسباب التفرقة ودواعيها، وعدم التمييز، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات، وما تحقق للمرأة السعودية من إنجازات في عهد خادم الحرمين الملك سلمان أصبح مصدر فخر واعتزاز لكل السعوديين، ولعل من أبرز الخطوات التي تؤكد وجود إرادة سياسية لتعزيز وتقوية حقوق الإنسان في المملكة هو صدور الأمر الملكي بتغيير مسمى هيئة التحقيق والادعاء العام إلى النيابة العامة، وأن يكون مسمى رئيسها النائب العام، وهذا بالفعل نقلة نوعية لأنها تعزز معنى ومفهوم العدالة الجنائية وتقوية الضمانات القضائية وتتوافق مع القواعد والمبادئ القضائية العالمية، كما أن ربط النيابة العامة مباشرة بالملك شكلت خطوة موفقة للانتقال بآليات العمل القضائي والإجراءات الجزائية إلى المستوى العالمي.

ومن أبرز ما يميز الجهود الوطنية في هذا المجال هو الرؤية المتكاملة التي تتبعها المملكة، فبينما تتواصل الطفرة التشريعية الهائلة التي تشهدها بلادنا في الوقت الحالي، لإكمال منظومة القوانين والأنظمة التي تحمي حقوق الأفراد والمجتمعات، فإن هناك تجاوبا منقطع النظير تبديه المؤسسات المختصة مع توصيات الآليات الدولية، وهو ما يتجلى في كون السعودية هي أول دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتمد استخدام قاعدة البيانات الخاصة بتتبُّع تنفيذ تلك التوصيات، وهذا يؤكد أن المملكة عازمة على الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها الطوعية التي أبدتها عند ترشحها لمجلس حقوق الإنسان التي شغلت عضويته أربع مرات منذ تأسيسه في عام 2006، وهو ما يشير بوضوح إلى التطور الكبير الذي تحقق. ويأتي ذلك متوافقا مع الرغبة الجادة للمملكة في التطوير المستمر لأدوات وآليات حقوق الإنسان الوطنية، ​وتفعيل الشراكة مع القطاع غير الربحي (المجتمع المدني).

والمملكة إذ تفعل ذلك فإنها تنطلق من رغبتها في تطوير مجتمعها وتحديثه، والتخلص من كل ما يعترض مساعيها الجادة في هذا السبيل، وليس في ذلك غضاضة أو منغصة، فالمجتمع الذي لا يواجه نفسه، ولا يراجع مسيرته ويصحح أخطاءه هو مجتمع يفتقر إلى المعاصرة والمسايرة، ولا يمتلك أدوات التقييم والتقويم. لا نزعم أننا بلغنا مرحلة الكمال، أو وصلنا لما يرضي طموحاتنا، فلا يزال أمامنا طريق طويل، فهناك أهداف ينبغي أن تتحقق، وثمة خطوات يجب أن تقطع، فنحن شعب لم يتعود الرضا بأنصاف الحلول، ولن يرضى بأقل من التميز والإجادة، لكن حسبنا أننا نمضي في طريق واضح المعالم رسمته رؤية المملكة 2030، ونستصحب في رحلتنا خصائصنا المجتمعية، وهويتنا الثقافية، ومكانتنا الدينية، نأخذ من الآخر ما يتوافق مع تلك الثوابت، ونترك ما يتقاطع معها أو يناقضها، لا يهمنا تعليق متهافت أو ناقم، فالأهداف التي نسعى وراءها أكبر من الالتفات لمن أدمنوا المهاترات واحترفوا ترديد الأوهام والخرافات.