قيمة الإنسان مع أخيه الإنسان قيمة واحدة، وكل واحد من البشر يعد خليفة للخالق، سبحانه وتعالى، في الأرض؛ خلقه، وصوره، وكرّمه، ونفخ فيه من روحه، إضافة إلى تفضله بإسجاد ملائكته، لأبيه الأول، سيدنا آدم، عليهم، وعليه، وعلى نبينا الصلاة والسلام.

المواقف السلبية لهذا المخلوق المعظم -الإنسان- غير مقبولة، ولا يصح منه أن يكتفي بعمل الخير، وأن يمسك عن العكس، وإنما عليه كذلك أن يكون إيجابيا مع غيره، خصوصا مَنْ قدّر الله تعالى عليهم، أن يكونوا من الضعفاء أو المحرومين، الذين سماهم سبحانه وتعالى «المستضعفين»، قال تعالى: «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا»، وخطاب الآية خطاب متجدد، حتى لو كانت المناسبة خاصة، كما أنه يوسع المجال في فهم منطوق المقاتلة، وأن التعاون والتضامن مع الضعفاء، وفي سبيل المحرومين، لا يقل شأنا عن القتال المسلح الذي يتبادر إلى الأذهان، وأن الأمر بعمومه غير مقيد بجنس أو جنسية أو لغة أو معتقد أو لون أو دم، فكل فئات البشر تعود إلى أصل واحد، واختلافاتهم وأنماطهم هو الذي جعلهم شعوبا متنوعة، وقبائل متعددة، والتعارف والتفاهم والائتلاف والتضامن سبلٌ جميلة وجليلة، وهي التي تؤدي إلى أن يعرف بعضهم بعضا، كما أراد ذلك خالقهم، سبحانه وتعالى.

التقصير في استخدام السبل المتقدم ذكرها، وسواها مما يسير على وفقها، لن يؤدي بالناس إلى الاحترام المتبادل، ولا إلى التواصل المنشود، ولا إلى السلام المأمول، ولا إلى الاستقرار المفقود، الذي لن يتحقق كله إلا بتقارب الناس مع الناس، والوقوف معا ضد الظالم، ومع المظلوم، وعدم تعليق ذلك بالمصالح الدنيوية، أو الديانة الواحدة، أو الجنس، أو الجنسية.

يقول الحق سبحانه وتعالى: «إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ». ويقول صلى الله عليه وسلم، في الحديث الشريف، الذي رواه الإمام البخاري، في صحيحه، في باب المظالم، عن سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ».

الأمور المتقدم ذكرها لا تأتي بطريقة تلقائية أبدا، فهي نتيجة وعي متزايد، وعمل مستمر، وجهود صادقة، من أجل إفهام كل إنسان بالدور الواجب عليه، ونوع المشاركة المطلوبة منه، مع ضرورة احتفاظ الأفراد والمجتمعات دائما بالأمل، في أن يغلب الناس البؤس الذي قد يعتري أفكارهم، وأن تتغلب القناعات المتحضرة على القناعات البالية.