من نافلة القول ذكر أن الخالق -سبحانه وتعالى- خلق خلقه مختلفين في تصوراتهم وفي وجهات نظرهم، وشاءت مشيئته -سبحانه- أن يمتد اختلافهم ليشمل كثيراً مما يتعلق بدينهم ودنياهم، قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين}، وهي اختلافات إيجابية، تثري الكل، وتدفعهم للأحسن، ولم تكن لتمنعهم عن الفكر والتفكير في استنباط الأحكام الشرعية، كما فعل ذلك الصحابي الجليل، سيدنا ابن جبل، رضي الله عنه، في وجود معلمه، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي مدحه بقوله: «الحمد لله الذي وفّق رسولَ رسولِ الله لما يُرضي رسول الله»، والحديث يحتج به، رغم الاختلاف في درجته.

المذاهب الفقهية الإسلامية المختلفة أسهمت بشكل جلي في تثبيت الفقه الإسلامي، والدين بعمومه بين الناس، ومن أجمل ما يتعلق بها أنه لم يدعِ أعلامها أنهم الحق المطلق، ولهم في تعزيز ذلك مأثورات مشهورة، ومنها أنه قيل للإمام أبي حنيفة النعمان صاحب المذهب المشهور: «يا أبا حنيفة هذا الذي تفتي به، هو الحق الذي لا شك فيه»، قال: «لا أدري.. لعله الباطل الذي لا شك فيه»، ولم يخرج عن هذا المناخ العام إلا أصحاب العقول المتحجرة، والآفاق الضيقة، والذين يكرهون التقارب والوئام، وهؤلاء موجودون قديما وحديثا.

وسط الدعوات المتكررة للتقارب بين أهل الأديان والملل والأفكار والثقافات، تبرز الحاجة إلى الدعوة إلى التقريب بين المذاهب الفقهية والكلامية، وأهلها، ولا يعني ذلك القيام بتذويب المذاهب أو التفكير في دمجها، فلكل مذهب شرعي خصائص وقواعد وأصول، إنما المطلوب هو أن يعيش الأتباع حياة دينية خالية من الخصومة البغيضة، والتعصب المقيت، وهذا بطبيعته يستلزم أمورا كثيرة، يأتي على رأسها الحوار بلغة حضارية، وهو الكفيل بردم كل فجوة، وإزالة أي جفوة.

الحوار المطلوب بثه وإحياؤه هو ذلك المحصور في المشتركات العامة، ومن شأنه -إن تم واستمر- أن يرسخ مفاهيم التسامح والتفاهم والتآلف، وسيعود على كل الناس بالخير العميم، شريطة عدم بقاء الجهود محصورة في إطار المجال النظري فقط، وأن تخرج جلساته عن الأسماء المعتادة، والتي يراها الإنسان متكررة في كل محفل، وأن يكون المشاركون فيه على قلب واحد مقتنع بأن الجيل الحاضر ليس له ذنب في الصراعات المذهبية لمن سبقه، وليس من العقل أن ترث هذه الأجيال مناخات الصراع القديمة، ومن الحكمة أن نخلق لها، وللأجيال القادمة، مناخات صحية تتنفس فيه نسائم الجمال والجلال، وأجدها مناسبة لأن أختم مقالي بالسؤال عن (المجمع الفقهي في المملكة العربية السعودية)، وطلب النظر في سرعة تفعيله، فهو عندي وعند غيري أمل كبير، طال انتظاره، منذ بشرى صدور الأمر بإنشائه في عام 1433، وموافقة مجلس الوزراء الموقر على تنظيمه المنشور في الجريدة الرسمية آنذاك.