في الوقت الذي تتفاقم أزمة السيولة في البلد، وتفرض قيودا متصاعدة على سحب الأموال، تحولت المصارف اللبنانية إلى مسرح للصراخ والدموع وإشكالات وصلت إلى حدّ التضارب بين الزبائن والموظفين، ونشرت وزارة الداخلية، بناء على طلب نقابة موظفي المصارف، أمام كل فرع مصرفي رجلي أمن على الأقل. ويعلو صراخ سيدة «راتبي، راتبي، أريد راتبي»، ويضرب رجل بيده على الطاولة طالبا سحب مبلغ إضافي قدره مئتا دولار من حسابه، لكن لا أحد يستجيب لهما في المصرف... منذ أسابيع، باتت معاناة اللبنانيين يومية مع سحب ودائعهم، فيما يقول في مصرف آخر في بيروت، خالد «68 عاما» «إنها تجربة صادمة... رأيت امرأة ترجو موظف البنك حرفيا، حتى إنها ركعت على الأرض أمامه لتحصل على المال. لكن البنك ببساطة لا يهتم».

عدم وجود دولار

ويبدأ الزبائن منذ الساعة الثامنة صباحا بالتجمع أمام المصارف اللبنانية بانتظار أن تفتح أبوابها، يتهافتون على الآلات التي تعطيهم أرقاما تنظم الأدوار لسحب الأموال، وقد ينتظر بعضهم طويلا للحصول على مبلغ صغير بالدولار الأميركي، ولكن بعد مرور أربع ساعات كحد أقصى، يفاجأ من لم يصلهم الدور بموظف يبلغهم «لم يعد هناك دولار، عودوا غدا»، وتتفاقم أزمة السيولة في البلد منذ سبتمبر وتفرض قيود متصاعدة على سحب الأموال، في حين لا يمكن للزبائن اليوم في بعض المصارف سحب أكثر من 800 دولار شهريا، وقبل مدة قصيرة فرضت قيود أيضا على سحب الليرة اللبنانية. قبل ستة أسابيع، كان المصرف سمح لخالد التقي بالحصول على 300 دولار فقط في الأسبوع، وانخفض المبلغ في الأسبوع الذي بعده إلى 200 دولار، وفجأة، وفي آخر زيارة له إلى المصرف قبل أيام، أتاه الجواب «لم يعد لدينا دولار».

أزمة اقتصادية

ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية «1975-1990»، مما يهدد المواطنين في وظائفهم ولقمة عيشهم تزامنا مع أزمة سيولة حادة وارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية، فيما يتهم متظاهرون في الحراك الشعبي ضد الطبقة السياسية المستمر منذ أكثر من شهرين المصارف بتحويل مبالغ مالية ضخمة لمسؤولين ومتمولين إلى الخارج، في وقت تفرض إجراءات مشددة على المودعين في لبنان.

سمعة المصارف

وفي تقرير لمركز «كارنيغي» للأبحاث في الشرق الأوسط في العاشر من نوفمبر، قدّر خبراء تحويل 800 مليون دولار إلى الخارج منذ انطلاق الاحتجاجات ضد الطبقة السياسية في لبنان في 17 أكتوبر، وهي الفترة التي كانت فيها أبواب المصارف مقفلة، ويقول الباحث في معهد «تراينغل» سامي حلبي، إن «سُمعة المصارف تشوهت تماما»، مضيفا «لن يثق أحد فيها بعد اليوم ولسنوات عدة». ونظمت تظاهرات عدة خلال الأسابيع الماضية في اتجاه المصرف المركزي في بيروت المتهم من الحركة الاحتجاجية باعتماد سياسة مالية أسهمت في الأزمة الحالية، ورفعت شعار «ليسقط حكم المصرف»، وبالإضافة إلى الحد من سحب الأموال داخليا، تمنع المصارف التحويلات إلى الخارج، ولا يمكن للبناني المقيم في الخارج والذي يملك حسابات مصرفية في لبنان سوى الاستفادة من مبالغ مالية محدودة.