ما زال البعض يرى في الأندية الأدبية، صالةَ مطارٍ، ينتسبون إليها كطالبي رحلة إلى منصب أو عضوية مجلس موقر في منطقة أو شورى، وما عليهم سوى حشو سيرتهم الذاتية بعضويات عدة، منها الارتباط بكراسي النادي الأدبي، ثم الانتظار والانتظار بضع سنين يمضغون خلالها «فشار المكافآت»، وقد يصل المكوث في «صالة المطار/‏ النادي الأدبي» إلى عقد أو عقدين، أو أكثر، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، والقليل من كان همّه الثقافة كفاعلية، وليس كوجاهة اجتماعية توزّع حكاية علاقتها مع أصحاب النفوذ أكثر من علاقتها بالفكر والأدب والفن، لأن حقيقتها قامت على «معرفة السلطة» وليس على «سلطة المعرفة»، فالأولى «تمجد» مهره صابون الكلام، والثانية «مجد» مهره شمعة في الظلام.

الأندية الأدبية تمثل، كما يبدو لأول وهلة، الوجه التنويري لمناطق المملكة، وكان يظن أنها السباقة لأداء الدور المنوط بها دون توجيه حكومي، وهو التنوير الذي تمثله «جودة الحياة 2020»، وصولا إلى مكتسبات الرؤية «2030»، خصوصا في مجال تمكين المرأة، فمن الدارج على اللسان «الأدبي/‏ الثقافي» -دائما- البدء بكلمة «سيداتي سادتي»، أي أن «السيدات أولا ثم يأتي السادة الرجال» كنوع من تقاليد السمو على أزمات الجندر في المجتمعات التقليدية، أو على أقل تقدير كنوع من النبالة التي يعيشها كل الرجال«رفيعي الروح والمحتد.

الإشكال، بعض من في الأندية الأدبية يتعامل مع المرأة بما يشبه التعامل مع طفل والده ذو نفوذ وسلطة، وعلينا أن نتخيل في ما لو دخل هذا الطفل إلى مجلس مليء بالرجال، ثم رفع صوته بالحديث معهم، سيفاجئك أن الكل يتحدث معه بلطف»مجاملة لوالده صاحب الجاه والنفوذ«، لكن الحقيقة أن لا أحد يأخذ هذا الطفل على»محمل الجد«تماما، وهذا ما تلحظه وأنت تحضر بعض الأنشطة الثقافية التي تشارك فيها المرأة»دون أخذ مشاركتها على محمل الجد«، بل ترى في ما وراء الثناء نسقا فرضه احترام القرارات السيادية التي انتزعت للمرأة حقها الاجتماعي من بعض العقول التي ربتها ورعتها الصحوة، وأقول الصحوة لأن في تراثنا العربي القريب جدا زعيمات وقائدات وشاعرات وفاعلات اجتماعيات، سمح بظهورهن مجتمعنا العربي قبل ظهور

ما سمي»الأصولية الدينية«.

الإشكال الحالي يعلله البعض بأنه ظاهرة اجتماعية لم تستطع بعض الأندية الأدبية تجاوزها، رغم أن الرهان لأول وهلة يرتكز على الأندية في تفعيل دور المرأة وتمكينها، كشرط جندري لكل ناد أدبي، وعليه فمن المناسب جدا أن تضع وزارة الثقافة شرط»الكوتا النسائية«بالنسبة التي تراها في كل مجالس الأندية الأدبية، فرغم وجود رئيسات تحرير لصحف أو مجلات، بل ومديرات إدارات، ووكيلات وزارة، ومتحدثات رسميات عن وزارات، وسفيرات... إلخ، إلا أنه حتى تاريخه لا توجد رئيسة نادٍ أدبي»حسب علمي«، فهل يعقل أن المثقفين هم حجر العثرة أمام»تمكين المرأة«، ولعل البعض من»الذكور«يتعللون بأن في هذا حرق للمراحل، متناسين أن دولا عربية متواضعة الإمكانات، مخنوقة العصبيات، رغم طابعها الإثني الصعب، استطاعت أن تخرج لنا نماذج نسائية عدة، خدمت إحداها كأمين عام لاتحاد الأدباء والكتاب في بلدها، ثم شغلت منصب رئيس عام المؤسسة العامة للمسرح والسينما، ثم ترقّت إلى منصب نائب وزير الثقافة، وفي مكان آخر في دولة أخرى وصلت المرأة الكاتبة لتكون وزيرة للثقافة، كما وصلت زميلتها لتكون وزيرة للمغتربين.

وعليه، فلا تصدقوا من يتكلم عن خطورة حرق المراحل، بل هي استحقاقات ثقافية واجتماعية واقتصادية تأخرت، وقد رفع راية تحقيقها ولي العهد بكل اقتدار وهمّة عالية، يليق بها جبل طويق تشبيها كتصوير حقيقي لمن يعرف كيف كنا، وأين أصبحنا.

ووفق طموحات قيادتنا السياسية، فنحن لم نصل بعد، والموعد»2030«، ويالخيبة الرجاء في بعض الأندية الأدبية، وبعض جمعيات الثقافة والفنون، إذ قصرت عن مستوى الطموح، واكتفت بحالتها التي تذكرك بقول الشاعر: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء.

وشكرا لقيادتنا الرشيدة في احتواء شبابنا عبر»مسك«، وصولا إلى أرقام مليونية في سبيل تمكين شبابنا في كل المجالات، بعيدا عن أنديةٍ مترهلة تدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا، وليلى هذا الزمن هم الشباب من الجنسين، ومن لا يستطع وصلا بهم ومعهم، فلم يقرأ المرحلة كما يجب، وستبقى صالة المطار مليئة بالكراسي، ولن تضيق بأحلام المسافرين.