هناك من يبحثون عن الشهرة ويفعلون المستحيل لنيلها، وقد يكون ما يفعلونه للحصول عليها نوعا من العبث ولا يحمل قيمة أو معنى. هناك من يقتحم الملاعب الرياضية لتصوره الكاميرات، وهناك من يجعل من نفسه مهرجاً، لينال أكبر عدد من المتابعين، وهناك من يختلق الأكاذيب ويجعل منها هالة يحيط بها نفسه ليقول إنه مشهور. وهناك من تأتيه الأضواء بسبب بساطته وتلقائيته وتكون مصادفة دون سابق تخطيط أو إرادة منه. بدأت الحكاية قبل أيام عندما خرج ذلك الطفل على دراجته الهوائية (السيكل)، في قرية سمرة الجد إحدى قرى محافظة الدرب بمنطقة جازان. كان يحمل جواله ويصور الأحداث، ويتحدث بلهجته العامية البسيطة التي كانت جواز مروره إلى قلوب الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. بدأت حكايته من مسجد القرية عندما لاحظ تكاثر البعوض بدورات مياه المسجد، وأنه طلب من المسؤولين المعنيين بالصحة والزراعة القيام بأعمال الرش ولكن لم يستجيبوا. الغريب وبعد نشر المقطع كانت الاستجابة فورية، حيث تم رش المنطقة بالمبيدات، وهو حدث وثقه ذلك الفتى، ليقدم الشكر والتقدير لفريق الرش وكأنه يقول انتقدناكم عندما كان هناك قصور وشكرناكم عندما كان هناك إنجاز. أعتقد الجميع أن رحلة (السيكل) كانت حادثا عرضياً، وسينتهي ويمحى مع مرور الوقت. ولكن في الأيام التالية كان الفتى (أبو سيكل وهو اللقب الذي أطلقوه عليه بالمحافظة)، يجوب بدراجته الهوائية جنبات القرية التي تعاني قصوراً في معظم الخدمات، وكان الدور هذه المرة على شركة الكهرباء والتي كانت استجابتها سريعة مع ما نشر من خلال سناب الفتى.

أعجبت بجرأة هذا الفتى، وتذكرت تلك المجالس البلدية في كل محافظة، وتساءلت، هل يمكن الاستفادة من تجربة هذا الفتى في تحديد أوجه القصور بالمحافظات والقرى والهجر، بعد تقنينها وتهذيبها لتكون ذات هدف، بعيدة عن التشهير والمساءلة القانونية. تذكرت تلك المجالس البلدية وتساءلت أيضا هل هناك ما يمنع أن يكون هذا الفتى أحد أعضائها، وأن يكون صوته مسموعا لدى المحافظة والمنطقة، بعد أن أصبح مسموعاً ومقبولاً من غالبية سكان المنطقة. صوت (الطفل) هذا ينمي الإحساس بالمسؤولية المجتمعية، ويرسخ مفهوم أن المواطنة الحقيقية هي الحرص على الممتلكات العامة وحماية المجتمع وتوفير الخدمات، وتفعيل دور الرقابة من قبل المواطن أمام أوجه القصور.

لقد أصبح الفتى ودراجته الهوائية محل ترقب وتوجس من بقية المسؤولين، وربما تكون هناك محاولات لإسكاته وإيقاف نشاطه، وربما كان الأفضل النظر لما يقوم به من جانب إيجابي، وأن يتم احتواؤه وتهذيبه، وإشراكه في جمعية أو مجموعة تطوعية، تكون رافداً للجهات الحكومية وساعداً للمجالس البلدية، وعيناً للمسؤول الذي قد لا يستطيع متابعة ومعرفة كل الخلل والقصور. وأخيرا شاهدت صورة ذلك الطفل ودراجته في وسائل التواصل، كانت ابتسامته تعبر عن براءة وطفولة غير متكلفة، ولا تحمل أي أجندة أو محاولة لأذية أحد. وربما حان الوقت أن تكون الدراجة الهوائية (السيكل) عنصراً هاماً في تفعيل الرقابة ومحاربة التقصير.