«تكفى» يا دكتور اكتب لي مضادا حيويا.. الطبيب: حالتك الصحية لا تستلزم مضادا حيوياً. المريض: اكتب لي يا دكتور أنا أحس إني ما أطيب إلا بالمضاد! الطبيب: أبدًا يا صديقي هذا مجرد ظن. المريض: يا أخي اكتب لي ما هو من حق أبوك!. وهنا يختلف الطريق بين طبيب «يخاف» أو «يكبر دماغه»، فيكتب ما يشاء سعادة المريض، وآخر يصر على رأيه الصحيح، وهنا يتوجه المريض للشكوى ويُشغل موظفي 937 «على ما هم فيه»، وربما تبع ذلك تحقيق مع الطبيب ذي القرار الصائب.

مشهد يتكرر كل ساعة بمعدل مرتين في عيادات الأطباء بشكل عام، وقس على المضاد الحيوي هذا، أشعة X أو الرنين المغناطيسي أو الإجازة المرضية، أو تمديد أهلية العلاج وهلم جرا... لكننا هنا معنيون بقضية المضاد الحيوي، فهل المضاد الحيوي ضار؟!

لتفهم عزيزي القارئ ماذا أعني بضار، ولماذا ذلك الطبيب أصر على عدم صرفه لمريضه عندما يكون غير محتاج له، اعلم أن المضاد الحيوي يسمى أصلا مضادا بكتيريا «Anti-Bacterial»، وهذا معناه -حتى بالمنطق بعيدا عن الطب- أنه صنع لمضادة البكتيريا والقضاء عليها، ومن ثم فإن صرفه يجب أن يكون «فقط» لمريض يعاني وجود بكتيريا في جسمه.

سيسألني سائل: وكيف أعرف أن مرضي سببته بكتيريا، وماذا غير البكتيريا أصلا سيسبب الأمراض؟!

سأقول له ببساطة: هذا هو عمل الطبيب، وبذلك أصبح طبيبا، فإن الطبيب يرى ابتداء من علاماتك الحيوية، مرورا بفحصك، وانتهاء بالتحاليل المخبرية، إن احتجتها، فهو يرى أمورا يعرفها، يتوصل من خلالها إلى أن السبب لمرضك بكتيري أو فيروسي أو فطري، أو التهاب تحسسي أو مرض عام، شمل جزءا تشتكي منه وغير ذلك من المسببات.

من هذا يتضح لك عزيزي القارئ أن ليس كل شيء بكتيريا، بالتالي فستدرك تماما أنه ليس لكل شيء مضاد حيوي.

وسيتبادر لذهنك الآن: «طيب وإذا استخدمت المضاد الحيوي، والمسبب عندي ما هو بكتيريا وش يصير؟؟!».

سأخبرك أن لدينا في الطب ما يسمى ممانعة بكتيرية Baterial Resistant، وهذه ببساطة ظاهرة تحدث في جسم الشخص الذي يستخدم المضاد الحيوي وهو لا يحتاجه، «يعني يجبر الطبيب يكتبه له بالقوة»، وما يحدث في هذه الظاهرة أن جسمك -عزيزي المريض- يحتوي على بكتيريا أودعها الله فيه، لتقوم بوظائف تحتاجها أنت، لتعيش، ونحن نسميها البكتيريا النافعة، غير أنك عندما تتناول المضاد الحيوي «المضاد البكتيري»، والذي لا تحتاجه أصلا بناء على قرار الطبيب، فإن هذا المضاد سيدخل جسمك، ولن يجد البكتيريا التي سببت لك المرض، فيذهب مباشرة للبكتيريا النافعة ويهاجمها ويقضي عليها ربما، وإن سلمها الله من الفناء فإنها ستقوم بحفظ مواصفات هذا العدو «المضاد الحيوي» في خلايا الذاكرة لديها، وبذلك فإنه إن دخل للجسم هذا المضاد مرة أخرى «ولو بعد ألف عام»، فإنها ستبدأ بالهجوم عليه وتفنيه، والمشكلة أنك في هذا الوقت ربما تكون تحتاج المضاد فعلا، ولديك بكتيريا مرضية، إلا أنك لن تستفيد من هذا المضاد لأنك قد رسخت في جهاز مناعتك مقاومة له، تجعله بمجرد دخوله الدم يحاصر ويقتل.. فلا تلوم البكتيريا النافعة وجهاز المناعة، بل لم نفسك أنت ولكن «بعد ايش!».

من هذا الكلام المختصر وبعد الشرح الوجيز، لا أظن عزيزي المريض -خصوصا في هذا الفصل البارد- أنك ستلح على طبيبك أو طبيب طفلك أن يكتب المضاد الحيوي بناء على رأيك أنت. كما لا أظن أن ستشكوه إلى 937 لأنه حماك وحمى أسرتك من وضع المضاد الحيوي في غير مكانه، ودمتم بصحة.