الاقتناع بأن الأجيال القادمة ستكون على ما يرام، وأن الآباء والأمهات والأسرة ستظل تمسك بزمام الأمور، هو اقتناعٌ غير صحيح مع تطور التكنولوجيا، واعتراف معظم العوائل بعدم قدرتهم على السيطرة على ما يفعله أبناؤهم خلال الإنترنت. الذي يُولَد الآن يولد جيلا رقميّا أو مواطنا رقميّا، لا يعرف أي سبيل للحياة سوى وسائل التواصل الاجتماعي.

ذكر 24% من مستخدمي مواقع التواصل في أميركا، أنهم غابوا عن مناسبات مهمة في حياتهم، لأنهم كانوا مستغرقين في تحديث بياناتهم وحساباتهم في تلك المواقع، وأفاد بعضهم بأن حسابه في «تويتر» يظل مفتوحا طوال اليوم، ويراجعه مع كل رسالة تنبيه. تؤكد الدراسات أنه منذ 1970 تقلّص نصف قطر دائرة نشاط الطفل في محيط المنزل الذي يتجول ويتحرك فيه بمقدار 95%، وترتب على ذلك ظهور حالات مرضية نادرة، واتباع أنظمة غذائية غير صحية وعدم ممارسة للرياضة. ورغم اختراعات الكهرباء والتليفون والتلفزيون، إلا أن هذه الاختراعات ولّدت نوعا من الحس الاجتماعي، لا سيما التلفزيون والسينما اللذين كانت العائلة تتجمع حولهما، إلا أن الأجهزة الرقمية حاليا أصبحت في متناول كل شخص، وأوجدت نوعا من العزلة الاجتماعية حتى تحت سقف البيت الواحد. 80% ومع استيقاظهم يقومون بفحص جوالاتهم الذكية في أول نصف ساعة بعد الاستيقاظ.

كما سلّطت المعلمة سو بالمر في كتابها «الطفولة السامة» على العادات التي يجب على الطفل أن يفعلها قبل وصوله إلى مرحلة المراهقة، كاللعب في المطر وتسلّق شجرة والتدحرج... إلخ، ووجدت أن معظم هذه الأنشطة لا يمارسها أطفال اليوم، ليتوافق طرحها مع مصطلح اضطراب نقص الطبيعة، والذي قد يكون وصفا لحالة مرضية أو خلل في السلوك.

أما البروفيسور «تانيا بايرون» وهي طبيبة نفسية اشتهرت بسمعتها في علاج الأطفال، فقد قالت «كلما تناقص وقت لعب الأطفال في الهواء الطلق، انخفض ما يتعلمونه لمواجهة المخاطر والتحديات التي سيواجهونها كبالغين، ولا شيء يمكنه أن يحل محل ما يكتسبه الأطفال من الحرية والاستقلال والفكر، خلال تجربة أشياء جديدة في العراء.

مسألة التكنولوجيا الرقمية، وهل هي جيدة أم سيئة للعقل البشري؟، مسألةٌ مثيرة للجدل، ورغم اختلاف الخبراء الرقميين بالتساوي لتوقعاتهم المستقبلية، إلا أن المخيف أن الخبراء ذوي النظرة الإيجابية للمستقبل يرون أن ذلك أملهم ولا يستطيعون تأكيد ذلك.

في عام 2011، عندما أجرى عالم الأعصاب بول هوارد جونز، من جامعة بريستول، بحثا عن تأثير التقنيات الرقمية على السلوك والدماغ، لا سيما الأطفال والمراهقين، وجد أن بعض التدريب المرتكز على التكنولوجيا قد يحسّن الذاكرة ويحفزها، ولكنه في المقابل يؤدي إلى مشكلات في النوم وتأثيرات سلبية على الجسد والعقل معا. وفي تقرير صدر عام 2012، بعد استطلاع رأي لـ400 معلم بريطاني، ذكر 75% منهم وجود انخفاض كبير في سعة انتباه طلابهم الصغار!.

مستقبل الأطفال مع التكنولوجيا الرقمية، مستقبلٌ مجهول رغم وجود بعض الآراء المتفائلة، ولهذا من الأفضل أن يمارس الطفل حياته الطبيعية بلا قيود، لا سيما تلك القيود الإلكترونية.