معظم الثورات العربية وثورات الوكالة أثبتت فشلها في تجارب الديموقراطية والحزبية التعددية وتداول السلطة، ويعود السبب إلى مخلفات الأحزاب الملوثة بسموم التخلف والرجعية، وتدني الفكر الاجتماعي والثقافي، وعدم قدرة البسطاء -في غالب الأحيان- على قراءة الواقع بشكل عقلاني ومعرفي وواقعي. ولكن «ثورة العراق» كانت ثورة عقل ومعرفة ومنطق، كيف لا وقد خرجت لمحاربة فساد حقيقي، وطرد محتل، وتخلص من طائفية مقيتة.

ثورة دفعت الثمن غاليا من خلال دماء أبنائها وثائريها الذين اغتالتهم يد الغدر من ميليشيات المحتل الإيراني. رحل هؤلاء الثائرون وبقيت دماؤهم الزكية كالوقود لثورة الكرامة والعزة. لقد أثبتت تلك الدماء أن المجتمعات والأوطان لا تتطور ولا تتحرر إلا بالتفكير الحر، ومواجهة المحتل مهما قام الأعداء بملاحقتهم وتصفيتهم. كان العراق المحتل طاردا للعقول الحرة والوطنيين المخلصين في ظل وجود الميليشيات وعصابات الأحزاب القامعة لكل حرية وكرامة، ولكن نضجت الثورة العراقية وأينعت ثمارا لديها القناعات والقدرة على استيعاب المفاهيم السياسية، وقراءة الواقع بعيدا عن التعليب والقولبة الطائفية والأيديولوجيات الزائفة.

كان يوم الجمعة، الثالث من يناير للعام الجديد، هو الأسوأ في تاريخ جمهورية إيران الثورية. فقد تمت تصفية ذراعها الثوري، وحامل مشعل أفكارها التوسعية «قاسم سليماني»، الذي يعد المسؤول الأول عن جرائم القتل والدمار في العراق وسورية ولبنان. ومقتل سليماني كان مفيدا للعراق وثورته وأبنائه الحقيقيين. فما إن أُعلن نبأ مقتله حتى انكشفت الأقنعة، وخرجت تلك الأصوات التي كانت تدّعي وطنية وحبّا للعراق، لتقول إن سليماني كان أهم من العراق وترابه ومن العراقيين وأحلامهم. تساقطت أقنعة «رؤساء الميليشيات وحماس»، وظهر وجه خامنئي الذي كان يسرق من ثروات العراق مئات المليارات لتمويل الهلال الشيعي في العراق وسورية ولبنان واليمن.

ولكن مع ثورة الكرامة جفّ ينبوع الدعم الطائفي، ولم تعد إيران قادرة على دعم تلك الميليشيات، فتساقطت ووهنت تلك الأحزاب، ثم شُلّت مع مقتل مُلهمها وعرّابها.

منذ 2003، والعراق يعيش تحت هيمنة المحتل الإيراني، فيُقتل شرفاؤه وتُصادر ثرواته، ويحكمه العملاء الذين جعلوا من أرض الرافدين منطلقا لآثامهم وجرائمهم وفجورهم. كان العراق محتلا من ذلك التاريخ لأسباب عدة، أهمها نشر روح الطائفية والتخلف والرجعية، وإشغال المواطن عن الأمور الجوهرية، كذلك طرد وقتل جميع من يستخدمون عقولهم ويقولون لا للطائفية والاحتلال، وأخيرا مباركة الإدارة الأمريكية السابقة لهذه الميليشيات لتنهب خيرات العراق وتتوسع في نشر الثورة المزعومة.

أخيرا، وبالنظر إلى الثورات العربية، نجد أن الثورة العراقية هي الأبرز والأعظم، وذلك لأسباب عدة، أهمها أنها كانت لطرد محتل واستعادة حرية مسلوبة، وتخلص من عملاء مسكوا زمام السلطة، وسرقوا خيرات البلد، ورغبة في العودة إلى محيطها العربي. كذلك كانت ثورة دفع فيها كل عراقي حرّ ابنًا أو ابنة في ميادين الشرف والكرامة. لقد كانت ثورة كشفت كل الأقنعة، وحققت العدالة وأوجعت المحتل الغاصب.