زاوية الدائرة

انتشر خبر على منصات التواصل الاجتماعي يحمل عنوان (لأول مرة أجنبي يرأس جهازا حكوميا)، ويتحدث الخبر في تفاصيله عن صدور قرار تكليف النمساوي د. كونراد بيسيندورفر رئيسا للهيئة العامة للإحصاء بالسعودية.

وبدأت بعض الأصوات تشجب وتستنكر هذا القرار، واصفة إياه بأنه خطوة مدمرة للإضرار بسعودة الوظائف، وأن (ابن البلد أولى)، وكأن هذا المنصب وظيفة على ناصية الشارع، والسعوديون الذين يحملون مؤهلات لهذا المنصب بالملايين. بعيدا عن هذه الأصوات سواء أكانت على حق أو باطل، فهذا القرار يجعلنا نعود بالذاكرة إلى أيام أرامكو (الأمريكان)، والذين عمل معهم أباؤنا وأجدادنا وأقاموا يدا بيد وبعيدا عن اختلاف الجنسيات بينهم، ما يعرف حاليا بأكبر شركة على مستوى العالم من حيث قيمة رأس المال. ويجعلنا نتذكر أيام معهد الإدارة فترة إنشائه من قبل مجموعة من الأجانب بعد تكليفهم من قبل الحكومة ليجعلوه منبعا لأساسيات الإدارة التي تغذي أغلب التخصصات والجهات بالموظفين المؤهلين حتى يومنا هذا.

بالنظر إلى طريقة تطوير دول هؤلاء الأجانب وكيف صنعوا من تعليمهم قوة عظمى حتى أصبحنا نستقطب مخرجاتهم، سنجد أنها نفس الطريقة التي بدأت حكومتنا في الرجوع إليها لإعادة استخراج كنوز دولتنا البشرية قبل النفطية وغيرها.

بعيدا عن (الفذلكة) وبمثال مبسط ومتكرر أمام الأغلبية، فقد تأتي إلى مستشفى مرجعي على مستوى المملكة، ويتم إبلاغك بأن طبيبك الذي سيحضر إليك، هو استشاري بريطاني حاصل على شهاداته من أعرق الجامعات هناك، وأنه عمل في مستشفى الملكة ببريطانيا فلانة بنت فلان، حتى يرتسم لك هيئته بأنه أزرق العينين أحمر الوجه وكأنه حضر من المريخ، نظرا لكثرة تلطخه باللون الأحمر.

وتتفاجأ لحظتها بحضور شخص مغطى ببشرة هندية، ولهجة هندية، وشعره يقطر بزيوت هندية، ولم يتبق إلا أن يعزمك على وجبة تعج بما يجعلك تشرب ماء وتلهث بكلمات (هذا فلفل زيادة)، أي أنه (هندي) في كل شيء ورغم ذلك يعامل في بريطانيا معاملة المواطن البريطاني من الطراز الأول، ويصرف له من المستشفيات هنا وهناك ما يصرف للبريطاني (الأحمر) بكل تفاصيله.

وهذا ما جعل المواطن البريطاني الأصلي يعمل بكد وجهد مضاعف لأنه يعلم أن دولته مفتوحة على مصراعيها لاستقبال من يبنيها أحسن منه إن توفر، وكأن دولته تقول له لو لم تقصر فيما تقوم به لما احتجنا أحدا من خارج حدودنا وأعطيناه الجنسية البريطانية لينافسك على (برطنة) الوظائف.

خلاصة القول أن مملكتنا مقبلة على موجة من التغييرات في البحث عن الموارد البشرية التي تبني كل التفاصيل من حولنا، وهذا يجعل المواطن الذي كان حلمه الثانوي أن يصبح واعيا بأهمية حصوله على البكالوريوس، وخريج الماجستير يبحث عن الدكتوراه وهكذا، لأن الوضع أصبح ببساطة (لا أعرف جنسيتك بل أعرف عملك).