تشرفت قبل فترة بحضور مجلس أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال، وتابعت طريقة تعامله مع مختلف المواقف والشكاوى ونحوها كمسؤول يقوم بدوره، بصفته حاكما إداريا للمنطقة ممثلا للملك وولي العهد.

عندما أخذ الأمير مكانه في مكتبه وبدأ استقبال الناس تقدم إليه أحد الشباب من ذوي الهمم، وفور اقترابه تعرف عليه الأمير ثم بادر بالاعتذار عن تأخره في حل موضوعه، وفي الموقف نفسه طلب من الشاب أن يمهله أسبوعين لينهي موضوعه، وأمر بوضع الشاب بجواره على مكتبه. الجميع لم يعرفوا ما هو الموضوع ولكن ما عرفناه التواضع وعدم نسيان هذا الشاب رغم المسؤوليات الكثيرة للأمير، وكذلك تقديره ووضعه بجواره، وهي ستبقى بكل تأكيد ذكرى جميلة لهذا الشاب.

لم يغفل الأمير دور القبيلة الفعال، لذلك كان هناك بعض مشايخ مركز بحر أبو سكينة، حيث أطلعهم على تطورات حادثة التسمم، مبينا لهم أن الإجراءات النظامية تسير، وأن هناك مجموعة اهتمام أمر بها، وهذا كان محل تقدير وإجلال من هؤلاء المشايخ الذين تم وضعهم في الصورة وإخبارهم أن الأمر مُتابع بشكل شخصي من سموه.

كذلك أكد على مشايخ القبائل والنواب أهمية دورهم الفعال في مجتمعهم، وأكد عليهم بإبلاغ قبائلهم بضرورة التمسك بالأخلاق الحميدة، خصوصا الصدق وتجنب الشكاوى الكيدية التي سيحرص بنفسه على تطبيق النظام بحق أصحابها.

من المشاهد الرائعة في مجلسه، أحد نواب قبيلته كان قد أتى إلى الأمير سابقا، وأبلغه أن قبيلته لا يرغبون به نائبا عليهم، فقال له سموه اجلبهم معك إلى مجلسي، فأتوا ثم قال سموه للنائب أعد ما قلته لي المرة الماضية، فقال إنه مستعد للتخلي عن منصب النائب إذا كانت قبيلته لا ترغب به ولم يأت إلا لخدمتهم.

ثم سأل الأمير تركي قبيلته هل ترغبون به فأجمعوا بالرفض، مؤكدين في الوقت ذاته أن هذا الشيخ الكريم من أفضل الناس أخلاقا ومروءة، عندها قال هذا النائب: أنا في خدمتهم يختارون من يريدون وأنا معهم، هذا الأمر أكبره الأمير، ووجه القبيلة بالسلام على رأس الشيخ الكريم تقديرا لموقفه، ثم وجه بأن يختاروا من بينهم نائبا عليهم قبل خروجهم من المجلس، ثم أمر بسيارة هدية لهذا الرجل الذي اختار قبيلته وجماعته على نفسه.

كذلك ربما من أهم المشاهد هو استقباله بعض المفرج عنهم من السجن، وتأكيده أن الخطأ الذي فعلوه تم عقابهم عليه وانتهى العقاب، والجميع يصيب ويخطئ، مؤكدا على ضرورة الانخراط في المجتمع وتأكيده على الوقوف بجانبهم في حال تمت مضايقتهم من أي شخص كان، وهذا الأمر يعزز دور المجتمع في ترابطه وتماسكه وعطائه.

أوقف الأمير تركي بن طلال مجلسه عند أذان الظهر ثم صلى الظهر في مجلسه مع المواطنين وعاد إلى مكتبه، واستمر في استقبال الناس والاستماع إليهم وحل مشاكلهم وقضاياهم.

رأيت كثيرا من المشاهد في مجلس سموه، لكن لا تسعفني المساحة هنا لذكرها، ولكنها أشياء أكبرتها فيه، وكم أتمنى أن يكون كل مسؤول مثل هذا الرجل الذي يجعل أفعاله تتحدث عنه وعن خصاله الحميدة.

دائما نسمع من المسؤولين كلمة (لم نوضع إلا لخدمتكم)، ولكن رأيناها فعلا من الأمير تركي بن طلال، وليس ذكري لهذه المشاهد إلا دليلا لما أقول ومصداقا لقول النبي، عليه الصلاة والسلام، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). هذا الدور لا بد أن يكون تكامليا من الوزارات والإدارات الحكومية المختلفة حتى تتحقق رؤية المملكة وقيادتها، وأقصد بالدور التكاملي هو القرب من الناس وحل مشكلاتهم والاستماع إليهم، كأمانة عمل وتحقيق أهداف الدولة وتطلعاتها.

ولا يمكننا أن نغفل عمله المثمر وقربه من أبناء المنطقة وتكريم المتميز منهم، واجتماعه المتواصل مع مسؤولي المنطقة وبحث ما يعيق عملهم ووضع الحلول.

لقد أصبحت منطقة عسير في سنة واحدة ورشة عمل كبيرة تنبئ بمستقبل يليق بالمنطقة وفق تطلعات قيادتنا الحكيمة.

ختاما يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، «إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن».