لم تعد للقصور والأُبهة فيها دورٌ في تهيئة الاجتماعات وصناعة البروتوكولات التي كانت سائدة في عهود كثيرة، حتى جاء عهد رؤية المملكة الثاقبة في توجه جديد لأخذ الزعماء، ومقارعة الساسة والدخول معهم في اجتماعات، بعيدا عن ضجيج المدن، بل أصبح كل مكان مع الرؤية يسُابق الآخر في المجال والراحة والهدوء، وهذا ما شهدناه في المخيم الشتوي بالعُلا، الذي استقبل فيه ولي العهد، رئيسَ وزراء اليابان شينزو آبي، الذي ارتدى الفروة السعودية ذات التقليد العريق، وأحد الأزياء الشتوية بالمملكة، لينفذ منها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى نقل تراثنا وأصالتنا وعراقتنا بدبلوماسية ناعمة إلى العالم الأول المتحضر، وليدلل سموه أن صناعة القوة خرجت من الصحراء، من هذه العراقة التي يتجاوز عمرها 300 سنة وأكثر، من عقود على رمال العلا ومدائن صالح، حيث الحضارة قبل الإسلام، ثم نهضت الدولة السعودية بقوتها وثبات عزيمتها وعقلية رجالها، منذ عهود آل سعود حتى جاء عهد الدولة السعودية الحديثة الثالثة، عهد الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- حتى عهد خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، لتقدم للعالم كله أن مسيرة النماء والتنمية الطموحة وسياسة الصناعة والاقتصاد، تنبع من عقول سعودية خرجت من عباءة الصحراء الجميلة.

لهذا كله، توقّف رئيس وزراء اليابان دقائقَ وهو يتفرس اللباس الشتوي السعودي «الفروة» لتلائم بيئة الصحراء وبرودتها، وبجواره الأهازيج والعرضة السعودية، لتنقل إلى العالم صورة من صور التراث الجميل، بصحبة الوفد المرافق الياباني ونظيره السعودي، ويتباحث المسؤولون بالبلدين في قضايا الاقتصاد والتنمية المستدامة المشتركة، حيث رؤية المملكة واليابان 2030، والقدرة على تطوير البلدين، وتبادل الاقتصاد في مجالاته المتعددة، خصوصا في مجال الطاقة والتجارة والثقافة والتعليم.

هذا ما اطلع عليه السياسيون من خلال الاتفاقيات السابقة، ومذكرات التفاهم التي وُقّعت بين البلدين في فترات تبادل فيها المسؤولون الزيارات على مدى السنوات الماضية، لتضاف كفة جديدة في توزيع الاقتصاد وتنوع مصادره، فمرة من الصين وأخرى من الولايات المتحدة الأمريكية، واليوم تُصنع علامة تجارية وتنموية من نوع آخر، مع اليابان الصديقة.

لقد أمضى رئيس الوزراء الياباني يومين متنقلا في المملكة بين الرياض والعُلا، والاطلاع على النهضة الطموحة في عصر الرؤية 2030، والتي تشترك معنا فيها اليابان بإعلانها الرؤية المشتركة بين البلدين، وعلى ضوئها يكون البلدان قد خططا لمستقبل واعد من نجاحات مرتقبة تجمع السعوديين باليابانيين في مختلف المجالات التنموية، في مقدمتها التخطيط لاقتصاد النفط وتكريره، وإنشاء مزيد من المعامل لخدمة الاقتصاديين في البلدين، خاصة أن اليابان عضو فاعل في قمة العشرين، وكثير من التحالفات التي تُعدّ المملكة جزءا لا يتجزأ منها.

هذا ما دفع اليابان إلى أن تيمم صوب المملكة، وتتجه إلى حيث القوة والإرادة والعزيمة لدى قيادة المملكة، ممثلة في خادم الحرمين الشريفين، وولي العهد الأمين، الذي أثبت للعالم كله صلابة موقفه وجدية أطروحاته في المحافل الدولية، واهتمامه بتطوير بلاده وخدمة مواطنيه في شتى المجالات، وأنه يعمل ليلا ونهارا، حتى وإن كان في المخيم الشتوي، فإنه مرة في الرياض وأخرى في نيوم، واليوم هو في العلا، الحضارة والثقافة والتاريخ.

حفظ الله ولي العهد، وأعانه وأمده بتوفيقه، لما فيه خدمة الوطن والمواطن والعالم أجمع.