نشأ ابن شوصان في قرية صغيرة ونما وهو يسمع مُؤذن المسجد ينادي للصلاة خمس مرات في اليوم والليلة، وكان ذلك الطفل يستجيب للنداء الرباني، فهو على فطرته السليمة التي أودعها الله فيه، ووالداه لم ينجسا هذه الفطرة الإلهية، بل كانا يصقلانها ما بين الترغيب تارة والترهيب أخرى.

ذهب ابن شوصان للمدرسة وحُمل بالعديد من المعارف والتي لا تخلو من كونها معارف مُجردة «Abstracts» وليست محسوسة، والمُفترض أن تكون مناهج ذات بعد حسي وكانت غير ذلك، حيث إن بنية ابن شوصان الإدراكية «Intellectuality» في ذلك العمر الزمني لا تستوعب التفكير الُمُجرد وإنما المحسوس منه، وكانت المعرفة تحقن «حقنا» في فكر ابن شوصان، وكانت العصا والفلكة ما يثبت تلك المعلومات، لذا كان يعتمد على ملكة الحفظ فقط ويردد ما تعلمه كما تفعل الببغاوات في شتى جوانب المعرفة بما في ذلك المعرفة الدينية، فحجم التعليم الديني التجريدي تجاوز ما سواه، فلم يذكر أن مدرس الدين علم طلابه الصلاة أو الوضوء من خلال المحسوس، برؤيته وهو يتوضأ أو يصلي أمامهم، وإنما كان اعتماد ذلك الطفل الصغير في مُمارسة شعائره الدينية على فطرته السليمة.

تخرج ابن شوصان وهو يحمل معرفة في العلوم والرياضيات والدين والعربي والفنية والرياضة لا تتجاوز حنجرته، وهو لا يستطيع تطبيق أو مُمارسة ما تعلمه البتة وإنما مُجرد كتب صفراء مُحمولة على ظهر «وانيت».

ما يخصُنا هنا هو أن فكر ابن شوصان كان فكرا «تلقينياً» ولم يكن «نقدياً» نتيجة نوعية التعليم «الببغائي» الذي حصل عليه، وما يُهمنا أن فكره الديني كان صافيا نظيفا لم يتلوث نتيجة ما تعلمه من والديه ومن مُؤذن وإمام المسجد، والعجيب أن الجميع «أُمي» لا يقرأ ولا يكتب، ولكنها الفطرة السليمة ومُمارساته الدينية الصحيحة وليس ما تعلمه في المدرسة، لم يكن ذلك الشوصاني يعرف الفرق ما بين السلفية والإخوانية رغم أن مناهج الدين في حقبته الزمنية كانت إخوانية للثمالة، وهذا مصداق حديثي أنه مُجرد تعليم «تجريدي» لا تطبيق له في عقول الناشئة، وإنما عبث بعض الدعاة وتصديق البعض من المُغرر بهم نتيجة غياب التفكير النقدي والاعتماد على التعليم الببغائي، ظهر التطرف الديني بكافة صوره وأشكاله.

انتقل ابن شوصان للغرب لمواصلة دراساته العليا، وذات ليل وفي شتاء قارس تلقى اتصالا من أحد الإخوة ويسأله بحرقة شديدة، نايم في العسل يا عسل ولا تدري ماذا يحصل حولك، رد عليه صاحبه: ماذا هناك عزيزي؟ فقال الموضوع بخصوص رئاسة النادي السعودي، رد عليه ابن شوصان أنا لم أُرشح نفسي ولا أصلح أدير بضعة من بني البشر، قال الصاحب الأمر تجاوز أن تكون أنت الرئيس وإنما حدد موقفك، هل أنت سلفي أم إخواني؟.

رد ابن شوصان وقال: أنا رجل أعبد الله على بصيرة ولا أعرف ماذا تقصد ولماذا السؤال؟ ويا ليت تقول لي ما الفرق بين الإثنين؟ وهل من خيارات أخرى لعلني أجد نفسي أقرب ما يكون؟ يبدو أن حرب داحس والغبراء قد نشبت بين التيارين في تولي رقبة النادي الصغير! ولا زال الحديث لابن شوصان، يقول استدركت من أمري خيرا وسألت نفسي مع من أكون؟ وهل هناك تيار آخر ربما أكون فيه؟ لم أجد! ووجدت نفسي كما قلت لصاحبي أعبد الله على بصيرة وفطرتي التي علمني إياها والداي ومُؤذن وإمام المسجد ومُجتمعي المُتدين البسيط الفطري وليست المناهج المُجردة من روح الحس والمحسوس، على العموم والحديث لا زال لابن شوصان الذي قال إنه «صُنف غصباً عنه كـ«سلفي» وغلب السلفيون الإخوان برئاسة النادي».

ما شد انتباه ابن شوصان أن سلوك الجميع الحياتي من سلفيين وإخوان لا يعود للسلفية ولا للإخوانية بصلة، وذلك عندما بدأ في التعمق في الفكر السلفي والإخواني، ليعرف ماذا هناك! وإنما الجميع «ببغاوات» كونهم خريجي تعليم تلقيني «ببغائي» ولا يملكون أبجديات التفكير النقدي «حتى وجلهم طلاب دكتوراه!!!»، الذي قام عليه هذا الدين الحنيف وهذه الرسالة الخالدة، فكان هذا الدين العظيم يخاطب العقل وأكرم منزلته أيما إكرام وجعله مناط الرسالة ولم يُولِ العواطف أدنى أهمية تذكر.

الخلاصة أننا بحاجة ماسة للفكر النقدي للخروج من هذا المأزق والتشرذم الديني والعقدي والطائفي وأدلجة الدين لأهداف دنيوية ليس لها علاقة بالدين البتة، فهل يا ترى مناهجنا التعليمية قادرة على تحقيق هذا المطلب الحيوي الشديد الأهمية؟.

للحديث بقية.