أوجه التحية مجددا للنيابة العامة ومحققيها ومدعيها والعاملين في كل أقسامها ودوائرها. وأتطرق اليوم للمدعي العام وهو ممثل المجتمع الذي تناط به مسؤولية حماية العدالة وتمكينها من المجرمين والعابثين.

إلا أن الواقع العملي الذي نعايشه مع موظفي النيابة ومدعيها العامين يكشف عن بعض الجوانب التي يبدو مهما إلقاء الضوء عليها بين حين وآخر، للعمل على تحسينها وتطويرها قدر المستطاع.

ولعل أول ما أبدأ به هو لغة المدعي العام القانونية، وهذا أمر لا يقبل التنازلات أو أنصاف الحلول، فإن لائحة ادعاء مكتوبة بلغة غير سليمة، أو أخطاء إملائية، أو أحداث غير متسلسلة أو فقرات غير مؤطرة قانونيا، قد تسهم بإفلات مجرم من العقوبة، أو اتهام بريء بجرم لم يقترفه.

لغة المدعي العام وثقافته القانونية واتساع أفقه وتنوع قراءاته، هي أمور لا غنى عنها لكتابة لوائح ذات مدلولات قانونية كافية، ولغة إبداعية تعزز رأي المدعي العام، وتعلن كفاءته وخبرته. ولعل التدريب إضافة إلى ملازمة المدعين العامين المستجدين للمخضرمين ذوي الباع الطويل في المهنة قد تكون مراحل جيدة نحو العلاج.

أنتقل لعرض جانب آخر أراه مهما جدا، وهو غياب المدعي العام عن جلسات المحاكمة، إذ يعمد غالبية المدعين العامين لتسليم لائحة الدعوى العامة للقاضي والاكتفاء بذلك! فلا يحضر جلسات المحاكمة أو قد يحضر بعضها. وهذا في نظري خطأ كبير، إذ إن رفع القضايا على المدعى عليهم (المتهمين) هو إجراء قضائي، وليس إجراء إداريا، فيلزم والحالة هذه حضور أطراف الدعوى، بمن فيهم المدعي العام الذي قدم اللائحة، فكيف تقوم قضية لم يحضر أحد أطرافها! كما أن غياب المدعي العام يخل بالمداولات والمواجهات الواجب حدوثها، ليتبين القاضي تفاصيل القضية كافة، فيتمكن من بناء الحكم بشكل أكثر دقة واستبصارا. من هنا أدعو لدراسة هذا الإشكال، فالأصل في الدعاوى الجزائية أن تكون مداولاتها وجها لوجه بين المدعي العام و محامي المدعى عليه (المتهم)، وليس ردودا مكتوبة. أعلم أن نقص الكوادر في النيابة العامة هو أحد أهم أسباب هذا الإشكال، ولكن بالنظر لتبعاته وآثاره القانونية فإنه أمر يستوجب النظر فيه.

وأخيرا سأتطرق معكم لعبارة شهيرة تتردد في محاكمنا وهي (أعترض وأكتفي بما قدمت)، يقولها المدعي العام للاعتراض على حكم ابتدائي أصدره القاضي. ولكن النطق بهذه العبارة مجردة دون كتابة لائحة اعتراضية تفند أسباب الاعتراض ودواعيه، لا يخلو من التقصير في جوانب الدعوى، فالاعتراض مرحلة مهمة من مراحل سير القضية، وكتابة لائحة اعتراضية واضحة من شأنه التسهيل على قضاة الاستئناف من جهة، وصون حق المجتمع من جهة أخرى، فالاعتراض يعني تقديم مزيد من الشروحات، وعرض مزيد من الأسباب والأدلة لإقامة الحجة وإحقاق العدالة، فلا مبرر للإحجام عن كتابة اللوائح الاعتراضية وتقديمها مرافقة لمرافعات النيابة ورأيها.

ختاما أدعو لوضع خطط جديدة تستهدف إحداث نقلة نوعية وتنقل المدعين العامين من مستوى العمل التقليدي إلى فضاء أكثر اتساعا وإبداعا، إذ إن التطوير يبقى هو التحدي الكبير المطروح أمام الجميع، فلا يرتبط بزمن محدد أو بقطاع دون آخر.