دعا الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين الثقافات وأتباع الأديان، فيصل بن معمر، إلى تفعيل دور الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية لمساندة صانعي السياسات في تعزيز التعايش واحترام التنوع وقبول التعددية، وترسيخ المواطنة الشاملة، والتصدي لتهديدات التعايش السلمي والتسامح من قبل الجماعات المتطرفة بين مختلف الطوائف الدينية والعرقية في العالم، وأن تسهم المؤسسات الدينية في مجتمعاتها المحلية لتعزيز ثقافة المواطنة المشتركة، كما دعا إلى الاستفادة القصوى من المعتدلين من الأغلبية الصامتة من الذين يمتلكون القدرات والإمكانات الكبيرة في مكافحة خطاب التطرف تحت مظلة المواطنة المشتركة، فيما أكد على أن الحوار يرسخ للمبادئ والقيم الإنسانية المشتركة، جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها في الملتقى الإقليمي حول «التربية على المواطنة والقيم الإنسانية المشتركة: من النظرية إلى التطبيق» الذي نظمه مكتب اليونيسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، ومركز اليونيسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم بالتعاون مع مكتب التربية العربي لدول الخليج.

وأكد ابن معمر على ضرورة دعم مسار غرس الثقافة العالمية المشتركة التي تدعو إليها منظمة اليونيسكو لتعليم مفهوم المواطنة المشتركة في أذهان الناشئة، دونما اشتراط لتخصيص وقت محدد لها أو تدريسها كمادة مستقلة، ولكن بدمج قيمها ومبادئها وأدبياتها ضمن النشاطات التربوية والتعليمية الصفية وغير الصفية في مؤسساتنا التعليمية.

وأشار ابن معمر إلى أن ديننا الإسلامي أعطى أول دستور يرسخ فكرة المواطنة وحرية الأديان في العالم، حيث تضمنت وثيقة المدينة المنورة دستورا شاملا للعيش مع المكونات الدينية المتنوعة، من خلال حرية الاعتقاد وممارسة شعائره، وتعزيز قيم التعايش والإنصاف والأمن والسلام، متمثلا كذلك في دعوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نصارى نجران للحوار وإنزالهم بالمسجد النبوي ليقيموا فيه، وكتابته عهد أمان لهم، وكذا استلهام بنود العهدة العمرية التي كتبها الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأهل إيلياء وأمّنهم فيها على كنائسهم وممتلكاتهم، وتعد من أهم الوثائق وأقدمها التي تنظم العلاقات بين أتباع الأديان، وتتضح فيها إنسانية المسلمين ومعرفتهم لقيمة المقدسات، وحفاظهم على آثار الحضارات واحترامهم لجميع الأمم والملل.

وقال ابن معمر: «لقد أثبت عمل مركزنا بأنه ليس من المناسب دائما تصوير أولئك الذين ينتمون إلى أديان أو مذاهب أو أعراق مختلفة على أنهم (أقليات) بحاجة إلى حماية من مجتمعاتهم، وإنما مكونات مجتمعية متنوعة لها حقوق المواطنة كاملة، ولها حق ممارسة أدوارها الفعالة باعتبارها مكونا رئيسيا في مجتمعاتها، بغض النظر عن هوياتها المتنوعة، دينيا أو مذهبيا أو عرقيا، ويجب استنهاض كل الهمم والتوجهات، الدينية والسياسية والتعليمية والقانونية، لحماية ذلك»، موضحا أن المواطنة المشتركة شكلت المبدأ الرئيس الذي تستند إليه جميع مبادرات ومشاورات منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي، وتعزيز المشاريع المشتركة بينهم لتجاوز الحواجز النفسية، وبناء الثقة وتهيئة المجتمعات المتنوعة للعمل معا لترسيخ قيم العيش في ظل المواطنة المشتركة.

وكان ابن معمر قد استهل كلمته بتهنئة الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ وزير التعليم، رئيس مجلس إدارة مركز اليونيسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم، على إقامة هذا الملتقى الإقليمي حول التربية على المواطنة العالمية والقيم الإنسانية المشتركة، واستثمار برامج ومبادرات مركز اليونيسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم في المملكة العربية السعودية، لإدراج التعليم ضمن أهداف التنمية المستدامة، وصولا إلى تعليم يلبي متطلبات القرن الحادي والعشرين، من خلال تمكين المتعلمين من تبني القيم العالمية المشتركة، ومنها: التعايش واحترام التنوع، وقبول التعددية، وترسيخ المواطنة المشتركة، للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، اتساقا مع الجهود التي تقودها اليونيسكو في حقل أجندة التعليم 2030، وهو ما تضمنته من غايات الهدف الرابع من أهداف خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة حول التعليم، والتي تناشد الدول للتأكد من أن كل الدارسين قد تم تزويدهم بالمعرفة والمهارات، واستدامة التعليم وأساليب الحياة، والمواطنة العالمية وحماية التنوع الثقافي في التنمية المستدامة، كونها معززة لمفهوم التعليم الذي يساعد على بناء عالم تسوده ثقافة السلام والاستدامة، مما يؤكدان على أهمية تعزيز المعرفة والمهارات والقيم التي تمكن الأفراد والمجتمعات من اتخاذ قرارات واعية، وبناء دور فاعل على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.