في يناير من العام 2003، أقدمت كوريا الشمالية على الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بعد أن انضمت إليها في عام 1985، وبعد انسحابها بثلاث سنوات، قامت باختبار أول قنابلها النووية، بتفجيرها تحت الأرض.

وفي مطلع الأسبوع الحالي، أشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إلى احتمال خروج بلاده من المعاهدة، إذا أحيل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن.

قد يكون تصريح الوزير ظريف من باب الضغط على الدول الأوروبية وأميركا للعودة إلى اللعبة التي يتقنونها وهي المفاوضات، بعد أن قررت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا الأسبوع الماضي تفعيل آلية «فض النزاع» في محاولة أخيرة منها لإنعاش الاتفاق النووي مع إيران، هذه الآلية منصوص عليها في الفقرة 36 من خطة العمل الشاملة المشتركة «JCPOA»، وتفعل في حال اعتقد أحد الأطراف بأن الطرف الآخر لم يلتزم بتنفيذ بنود الاتفاقية، وقد تستغرق عملية فض النزاع هذه 65 يوماً، وهي باختصار:

1 - تشكيل لجنة مشتركة مكونة من أطراف الاتفاق، تمهل 15 يوما لتسوية الخلاف.

2 - إذا لم تحل المشكلة، تحال إلى وزراء الخارجية، ويمهلون 15 يوما، وبالتوازي يمكن لأحد طرفي النزاع طلب إحالة الموضوع إلى لجنة استشارية ثلاثية تضم الطرفين، إضافة إلى طرف ثالث مستقل.

3 - إذا لم يتم فض النزاع خلال 30 يوما، فأمام اللجنة المشتركة الأولى 5 أيام للنظر في رأي اللجنة الاستشارية الثلاثية.

4 - يحال الموضوع إلى مجلس الأمن، الذي يتعين عليه التصويت على مشروع قرار خلال 30 يوما.

5 - إذا لم يصدر القرار خلال تلك المدة يعاد فرض العقوبات على إيران.

التصعيد الأوروبي جاء بعد فشل إيران بالوفاء بالتزاماتها، في إطار الاتفاق النووي، وقد أعلنت إيران مطلع الشهر الجاري تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، وأنها لن تتقيد بعدد أجهزة الطرد المركزي المتفق عليها، رداً منها على مقتل الجنرال قاسم سليماني.

الاتفاق النووي، الذي بدأ تطبيقه بداية 2016، تم توقيعه بين إيران ومجموعة 5+1 (أميركا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، ألمانيا)، واستغرق عدة سنوات من المفاوضات، والغرض منه الحد من أنشطة إيران النووية والحيلولة دون حصولها على كمية كافية من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية لأكثر من عقد من الزمن.

وأحد أهم بنود الاتفاق هو عدم تجاوز إيران لنسبة تخصيب تفوق 3.67% طوال فترة الاتفاق، وهذه النسبة غير كافية لصنع قنبلة.

وبتخلي إيران عن التقيد ببنود الاتفاق المتعلقة بنسبة التخصيب، وكميته، وعدد أجهزة الطرد المركزية، فقد تتمكن من تخصيب كمية كافية لقنبلة نووية خلال سنة أو سنتين كما أشار بعض الخبراء، ولكن حتى ولو حصلت على تلك الكمية، فهي تحتاج إلى تصاميم للقنبلة وتقنيات لتفجيرها، وآلية لتوصيلها للهدف، وهذه ليست بالمهمة السهلة، وأمام إيران عقبات كثيرة وسنوات عدة للوصول إلى سلاح نووي مكتمل.

وبالنظر في واقع الاتفاق النووي، فهو في الحقيقة اتفاق ثنائي بين الولايات المتحدة وإيران، وبانسحاب الولايات المتحدة في 2018 والآن إيران، أصبح هذا الاتفاق بحكم الميت سريرياً، كما وصفه وزير الخارجية الإيراني.

وحتى قبل الانسحاب الأميركي، فإن إيران لم تلتزم ببنود الاتفاق، وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية خير شاهد عليها، حيث أكدت تجاوز إيران نسبة التخصيب المتفق عليها، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء حيال ذلك.

وعلى الرغم من تلاشي مفعول الاتفاق النووي على الأنشطة النووية الإيرانية، إلا أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية مازالت مفعلة، وهي تجيز لإيران إجراء عمليات تخصيب لليورانيوم، وفي نفس الوقت، تجيز للوكالة الدولية للطاقة الذرية إجراء عمليات تفتيش على منشآتها النووية.

إن انسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، سيفوت فرصة مراقبة أنشطتها النووية، وينذر بتكرار سيناريو كوريا الشمالية، ولكن هذه المرة في الشرق الأوسط، وهو ما لا يتمناه أحد.