إذا كنت تشعر بتقطع في البول، إذا كنت تشعر بضرورة ماسة للتبول، إذا رأيت دما في البول، فربما يكون لديك سرطان البروستات أو البروستاتا!

ونشرة أخرى تقول: عندما تشعر بألم في صدرك، يتجه إلى كتفك الأيسر ثم إلى يدك، فأنت ربما تشكو من مرض في القلب!!

عندما تشعر بحب العزلة، عندما يقل نشاطك اليومي، عندما عندما... في الأخير لديك اكتئاب!!

منشورات وزعتها وزارة الصحة، لسان حالها كأنها تقوم مقام طبيب مسالك بولية في المشهد الأول، وطبيب قلب في الثاني، وفي الثالث طبيب صحة نفسية!

لا شك أن التوعية والتثقيف الصحي ركن ركين من الدور الصحي الذي يقع على عاتق الوزارة، ولطالما ما طالبت في مقالات سابقة بضرورة تفعيل هذا الدور المهم جدا، لكن الوزارة بمثل هذه المنشورات «زودت العيار»، ولا أقبل من سيقول أيها الكاتب «ما يعجبك العجب»!

الدور التثقيفي يجب أن يتولاه مختصون يكون نتاجهم مادة توعوية سهلة تناسب أفهام الجميع.. أما أن تأتي الوزارة في نشراتها التثقيفية «وتنقز» إلى سرطان البروستاتا «البروستات» الذي لا يشكل سوى نسبة 7.7 من كل 100000 نسمة حسب السجل السعودي للسرطان من 2001-2008، والحال ذاتها عندما تكون هذه المنشورات محتوية على مادة تقول إن ألم الصدر يوجب التوجه للطبيب لاحتمالية كونه مرض قلب، علما أن هذا الألم ربما يكون ألم عضلة، وربما ألم مفاصل القفص الصدري الغضروفية، وربما يكون ارتجاعا مريئيا «حموضة»، وغيرها كثير من التشخيصات التفريقية التي يعرفها الأطباء وهي «شغلهم»!.

عندما توضع هذه المنشورات بهذا الشكل -وهذا الأثر السلبي الأول- فهي إقحام للمريض في عمل الطبيب، فربما جعلت منهم «أنصاف علماء»، وهذا النوع معلوم بالضرورة بأنه أخطر أنواع الفكر على المجتمعات، كما أن هذه المنشورات لم تذكر مثلا مع هذا الألم الصدري أنه تصاحبه أعراض استباقية أخرى مشابهة ومغايرة، وأنه تصاحبه عوامل خطورة معينة «Risk Factors»، وأنه حتى الطبيب أحيانا لا يستطيع الجزم بالتشخيص إلا بعد تخطيط قلبي أو تحليل هرمونات القلب حتى! فكيف ورد هذا الحكم بهذه السهولة في هذه المنشورات «المخيفة»، فإن كان لا بد فليذكر في المنشورات الأمر كله، ولا يؤتى بـ«أذن البعير» ويترك البعير كله، فلربما شابه أذن البعير ألف أذن وأذن.

أما الأثر السلبي الثاني والأخطر فهو إدخال المريض في «وسوسة» وشكوك، مما قد يؤثر في حياته العملية والاجتماعية، وربما -وقد شاهدت ذلك في مريض ارتفاع ضغط دم- اعتراه المرض ذاته لكثرة شكه فيه، لأن هناك ما يسمى قانون الجذب والطاقة السلبية وخلافها، ما لا يتسع المجال للإسهاب فيه.

مجمل القول: هذه البرشورات التوعوية رائعة ومطلوبة ومهمة، «ولكن» بتروٍّ واتساع أفق ومن ذوي الاختصاص، فالمرضى بشكل عام -والنساء خصوصا- تنتابهم شكوك ومخاوف ربما أدت إلى ما لا يحمد عقباه بقراءة مثل هذه المنشورات «المرعبة».

من شأن هذه المنشورات أن تتسبب فيما يشبه الظاهرة المعروفة لدى الأطباء «Medical Student Syndrome»، وهو أنه عندما يدرس طالب الطب مرضا ما، يبدأ يشعر بأن هذا المرض يعتريه، بينما في الواقع القضية نفسية وهو لا يعاني شيئا.

أختم بمشهد مريض زارني في العيادة، يبلغ من العمر 22 عاما، وهو في حالة هلع شديد، وعندما جلست معه اكتشفت أنه يعاني التهابا بكتيريا «عاديا» في المسالك البولية، وهو ما جعله يزور العيادة، لكن لسوء حظه صادف «منشورنا اللي ذكرناه في أول المقال»، وفهم منه أنه ربما لديه سرطان بروستات، فأقنعته بأنك لست فوق 50 عاما، وأنه ليس لديك أحد من عائلتك مصاب به، وأن ليس لديك سرطان ثدي أو مبيض فأنت رجل، وطبعا ليس من شمال أمريكا!! فهذه يا عزيزي هي العوامل المساعدة للإصابة بسرطان البروستات.. تهلل وجهه وقال بصوت متذمر: «طيب وش ذا المنشور حاطينه برا؟!»، طيب وأنا وش أقول له؟!! والله مدري.