عند كتابة هذا المقال، شاركتُ أفكارَه بعض الزملاء لأخذ رأيهم فيه. وجدت أن هناك من يتفق معي وهناك من يختلف أيضا، والسبب في ذلك هو تفسيرنا للمفاهيم ومدى ارتباطها بسلوكياتنا.

فعنوان المقال عن «اليأس»، وكان الاتفاق حول أن اليأس موجود، والاختلاف أنه ليس كل شخص يمر بهذه المرحلة، لأنه مرتبط بأمانه.

ولعلي أطرح تساؤلا حول ذلك: فهل نحن نيأس أم لا؟

سيقول بعضنا: نعم، وقد يقول آخرون: لا، ولكن لو أعدنا السؤال بطريقة أخرى، وهي: هل ينبغي علينا أن نيأس؟

وأقصد بهذا السؤال ليس التوجه إلى اليأس باختيارنا، وإنما تساؤل تقريري لمعرفتنا أن حياتنا توجد بها محطات لفقدان الأمل، وشعور يصيب الإنسان كدليل على فقدان طموحاته وأحلامه في تحقيق أمر ما يتطلع إليه.

فقد قال تعالى: «لقد خلقنا الإنسان في كبد»، وبالتالي تكون إجابة السؤال الأول هي: نعم نحن نيأس، ولكن لماذا؟ الإجابة هي: لأنها سنّة ربانية، وطريقة لبداية التغيير، ومصدر دافعية للتحول من الواقع المعاش إلى الأمل والحلم المراد تحقيقه، ومختبر لصناعة الصبر، قال تعالى: «حتى إذا استيأس الرسل»، حتى الأنبياء والرسل قد مروا بهذا الأمر، والشواهد في القرآن الكريم والسيرة النبوية كثيرة.

ولكن، ماذا بعد هذه الوقفة المسماة باليأس، والتي تعدّ آخر صراع بين حياة الإنسان الحالية وواقعه الذي يمر به، وبين أمله الذي يصبو إليه؟

إن هذه المعركة الشرسة التي يمرّ بها كل أحد هي الفيصل، ومصدر عنوان لكثير من الشخصيات في التاريخ، لأنك لن تجد شخصية تقرأ لها إنجازا وتألقا في شتى مجالات الحياة، إلا وتعرضت لمرحلة الصراع، والملحمة التاريخية بين يأسه وضعفه في مرحلة ما من حياته، والتي كانت سببا في نجاحاته، وأيضا انطلاقه نحو مجد كتبه بعنوان الصبر والمثابرة رغم الألم والتضحيات التي عايشها. ولعل «لي كوان يو» رئيس وزراء سنغافورة، الذي يوصف بأنه مؤسسها، وصانع نهضتها -خلال قيادته لها- كان أحد أهم مبادئ عمله هو إيمانه بأن النار تصقل الذهب، وأن الانتصار على اليأس وطرق عبوره، يتمثل في خطوات ومهارات لا بد أن نتقنها، أولها: اليقين بأنا سنصل إلى مرحلة اليأس، وسنخفق وتضيق بنا السبل، فقد قال الشاعر:

وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم *** وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا

لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه *** لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا

ثانيا: اعرف نفسك وقدراتك وإمكاناتك، فهل هي وسائل أحلامك، أم تحتاج إلى تطوير؟، لأن اليأس يذوب مع الإصرار والإيمان بقدرتك على تحقيق أحلامك وإن طال انتظارك. يقول لدوس هكسلي: «هناك شيء واحد في هذا الكون يمكنك أن تثق بأنك تستطيع تحسينه بالتأكيد، هذا الشيء هو أنت».

ثالثا: الصبر، هذا المفهوم السحري الذي لا يمكن لشخص أن يفهمه إلا بعد بلوغ هدفه، فهو الطريق والإستراتيجية الفولاذية التي لا يمكن أن تخيّب صاحبها.

رابعا: اعمل وثابر عندما تكون الصورة مكتملة في مخيلتك، فحتما ستحققها، ولا تحاول انتظار الفرصة أن تأتيك، بل اِسْعَ إليها، تذكرْ جاي جريفيث عندما قال: «الفرق بين الحلم والهدف ليس إلا أن الهدف حلم يصاحبه موعد تنفيذ».

فقط قرر البداية، واعلم أنك ستمر بمراحل مؤقتة تعكر صفوك، ولكنها ستكون جزءا من ذكرياتك التي تحب أن تذكرها للتاريخ.