اشتهر بلقب «ملك الخبيتي»، لكنه كان يمتلك موهبة لأداء كل الفنون الشعبية الشائعة في المنطقة الغربية، ومنها «رقصة الزير»، وهي لعبة جميلة يختص بها أهالي وادي فاطمة ورابغ وقرى خليص والخوار وهدى الشام وما جاورها من قرى وأودية، ويجيد لعبة زيد والرويحي، وله صوت جميل في كسرات الزير أو شعر الزير المروبع، مثلما هو خبير بأغاني الكسرات، ومتمكن في لعبة المزمار وأداء الرديح واللون البحري.



البشاشة والعذوبة

ملأ (معلا محمد العوفي) الذي اشتهر بـ (معلا الهريش) الساحة الشعبية الفنية على نحو أكثر من 60 عاما، فنا راقيا. كان يمشي من رابغ إلى جدة، يقطع الرتابة بصوته الشجي، يرفع عقيرته (بالزهيم) وهو اصطلاح في الفن الشعبي:

«من لا يجي للعب طربان

يقعد في بيته لا يجينا»


كان يتفجر حبا وفنا وإحساسا بعذوبة الموروث الشعبي، فهو باقة متعددة الألوان والنكهة من الرديح والتقاطيف والبدواني والخبيتي والعرضة والكسرة بأنواعها.

يقول الكاتب المخضرم علي الرابغي: «معلا تفوق على أقرانه بالقدرة الإبداعية الصوتية، فهو يمتلك حلاوة الصوت في درجاته الثلاث (العالي، والمتوسط، والخفيف) على مستوى واحد من الجودة، وتلك موهبة أحسبها تستعصي على الكثيرين. رحمه الله- فقد أسعد الكثيرين من رواد فنه، إذ كانت له قاعدة جماهيرية عريضة تحرص على أن تلاحقه في أحياء جدة ومكة وفي رابغ وفي خليص والوادي وغران وقديد وبحرة، وفي المهرجانات الشعبية بالجنادرية وبالأعياد وفي المهرجانات العربية والدولية، أينما حل، فهو يمتلك جاذبية ووهجا خاصين.. يأسر سامعيه، يزين كل ذلك حلاوة وطلاوة في الصوت وحضورا وبشاشة فاق بهما الكثيرين من أقرانه.

ولا ينسى الرابغي، حين قدمه في برنامج (ألحاننا الشعبية) في الإذاعة وفي التلفزيون، كيف كان نجما أسهم في إنجاح تلك البرامج، والتعريف بالفلكلور الشعبي.

الميكانيكي

رغم أن حظه من التعليم كان بسيطا، إلا أنه تميز بالذكاء وامتلك روحا مرحة، ورغبة في التميز، شب بين أبناء عشيرته، وشاركهم أفراحهم وفنونهم الشعبية وبالذات فن الخبيتي الذي برع فيه، وشكل الفلكلور نتيجة معرفته به وإتقانه له بكل أنواعه هاجسا له لإنشاء فرقة فنون شعبية.

نزح من رابغ إلى جدة، وأسس فرقة تجوب أرجاء الوطن، تشارك في إحياء المناسبات، ثم تطورت إلى أن أصبحت تشارك في المناسبات المحلية والوطنية، والمهرجانات العربية والعالمية.

بعد استقراره في جدة، عمل في مهنة الطباخة، ثم التحق بالخطوط السعودية في مجال الميكانيكا، وتدرج في العمل إلى أن وصل إلى مساعد ميكانيكي صيانة الطائرات الملكية والخاصة، حتى أحيل للتقاعد عام 1413، واستمر في عطائه الفني إلى أن انتقل إلى رحمة الله في 1425.

المجدد

يعد معلا مجددا في فن الخبيتي، حيث أدخل بعض الحركات مثل (التحييس)، وهو دوران الراقص حول محوره بطريقة استعراضية، كما أنه كان يمزج بين الخبيتي وعدة ألوان أخرى ليقدم لونا واحدا جميلا.

يروى عن الفنان الشعبي الراحل محمد سليم سلامة، الذي كان يرأس الفنون الشعبية بفرع جمعية الثقافة والفنون بجدة، أنه في عام 1401، أتيحت لفرقة معلا السفر إلى تونس للمشاركة في مهرجان قرطاج، وكان يرأس الوفد الفنان الموسيقار طارق عبد الحكيم، الذي طلب من معلا أداء رقصة الخبيتي، فعلق طارق بقوله: هذا اللون، وبهذا الشكل يعتبر رقصة صامتة، بمعنى أنه ليس فيها رقص ملفت، إنها مجرد غناء وتصفيق، فطلب من معلا، أن يحرك هذه الرقصة، وأثناء البروفات أدخل معل «التحييس»، حيث لم يكن هذا شائعا في رقصة الخبيتي، فأبهر طارق، وحاز إعجاب الجميع.

هلا بويا

يقول ابنه عبد الله: أعجز عن وصفي لوالدي، فهو صغير مع الصغير وكبير مع الكبير، يعاملنا كالأصدقاء، يحنو ويقسو في آن واحد. حنون عطوف، نصحو من نومنا، نجده على سجادته في صلاة وعبادة وتلاوة القرآن. في مجلسه معنا لا يخلو حديثه من الطرفة والموعظة والنصيحة والحكمة والشدة، ودائما ما يردد ويذكرنا الصلاة، الصلاة، الصلاة. كنت ملازما له في جميع رحلاته الفنية، فأنا وإخوتي من أعضاء فرقته، كنا حين وصولنا إلى عرس أو حفل، أول من يستقبله الأطفال الصغار قبل الكبار وهم يرددون معلا.. معلا.. معلا، فكان يصافحهم ويسلم على الصغير قبل الكبير، وكانت كلمته (هلا بويا) يا مرحبا.. يا مرحبا. يسلم على من عرف ومن لم يعرف، وهو يركب سيارته، وهو يمشي على رجليه، عند ذهابه إلى المسجد، إلى السوق، إلى عمله، إلى أي مكان وكلماته، أستغفر الله، حسبي الله ونعم الوكيل.

المضحي

«والدي ضحى بالكثير، كان يسهر ويشقى ويتعب من أجلنا، مع أنه شبه أمي ولكن لا نجلس يوما إلا ويناقشنا في أمور ديننا أولا ويقرأ آيات القرآن ويفسرها ويشرحها لنا»، هكذا تحدثت أم محمد كبرى بناته، مضيفة: كان موظفا في الخطوط السعودية، وفي بداية حياته كان طباخا مع معلم طباخة مشهور جدا في جدة، هو العم بكر حلواني، فهو يتقن أعظم الطبخات المشهورة كالكابلي والبرياني والرز العربي والسليق والسقط والبخاري والسمبوسك والبف والصيادية، وقبل أن نتزوج أنا وأخواتي كان يجمعنا ويختار طبخة ثم يحضر أدواتها ويقوم بإعدادها أمامنا حتى نتقن صنعها، كان يجمع العائلة والجيران أسبوعيا وأحيانا كل أسبوعين لإعداد وجبة العشاء والتي يقوم بطهيها بنفسه، ونشاركه في إعدادها لنتقنها. كان يحب السفر والرحلات بالسيارة، لا يحب أن يمر يوم الجمعة وهو في المنزل، يقول «الجمعة عيد لم نقضه داخل البيت، وإن كنا مشغولين حمل أولادنا وذهب بهم». وتتابع أم محمد مستعيدة الذكريات: لأولادنا ذكريات لا تنسى مع جدهم، فهو يحملهم كل أسبوع إلى البلد «جدة القديمة» ليشتري لهم ألعابا وهدايا. كانت جلساتنا معه لا تخلو من «مسكة الطار» وترديد الأغاني والرقص والألغاز والمواعظ، ولكن إذا حان وقت الأذان ترك كل ذلك جانبا وتوضأ وخرج للمسجد ناصحا لنا بالصلاة، نستيقظ في الليل على صوته وهو يتلو آيات الله بصوت جهوري جميل تطرب لسماعه.

فيما يصف ابنه حسين والده قائلا: إنه معلا الإنسان، كان يواسي المحتاج، ومن حسابه الخاص وفي سبيل الإصلاح، كان يحب عمله وفنه، وإذا كانت لديه حفلة للفرقة خارج مدينة جدة كان لا يهدأ ولا ينام، فقد كان يحرص على إحضار كل شيء، يلزم الفرقة من ملابس وأدوات تكون جاهزة لتؤدي الفرقة دورها على أكمل وجه. وكان يرحمه الله عندما تسافر الفرقة خارج المملكة، هناك بعض أعضاء الفرقة يكون في حاجة إلى مصاريف لعوائلهم، كان يساعدهم بإعطائهم مبلغا لسد احتياجاتهم، هكذا كان معلا الإنسان.

المرجع

الفنان الراحل طارق عبد الحكيم وصف معلا، معتزا بإمكانياته الفنية بقوله: معلا اسم على مسمى، معلا فوق الأداء والرقصة الشعبية، هو من المراجع التراثية التي دونت مسيرة الأغنية الشعبية السعودية، رائد قدير يجدد ويجيد الغناء المأثور والرقصات الشعبية، بذل الجهد والعرق لكي يشعر هو ويشعر الذي بعده والذي معه، بعظمة الفنون الشعبية التي تعبر عن المكان وإنسان هذا المكان. وأعطى للموروث الشعبي الادائي مذاقا أثار إعجاب العالم في الدنمارك، النمسا، بريطانيا، أمريكا، كوريا، فرنسا، تركيا، اليابان، المكسيك، بإضافة إلى البلدان العربية. وتابع طارق: صدق الإحساس عنده وفطرية الصياغة للفنون الشعبية، جعلته حاضرا في مختلف المناسبات والمهرجانات الداخلية والخارجية ليقدم تراث الوطن بكل صوره الجميلة.

معلا هريش

ولد في رابغ عام 1353

أطلق عليه (رائد فن الخبيتي)

وتوفي في جدة 1425

عمل في: الطباخة - ميكانيكي بالخطوط السعودية

من ألوان الفلكلور التي برع فيها:

الخبيتي - الزير - الغناء البحري - المزمار - الرديح - الكسرات

مشاركاته في المهرجانات

1401: المهرجان الدولي قرطاج بتونس

1404: في المهرجان العالمي بالمكسيك

المهرجان الدولي بالإسماعلية في مصر

المهرجان الشعبي لدول الخليج في صلالة بعمان

المهرجان الشعبي بالإمارات العربية المتحدة (دبي)

مهرجان البحر لدول الخليج العربية في جدة

مهرجان الشباب العربي الرابع بالرياض

1404: المهرجان العالمي في أولمبياد لوس أنجلوس بأمريكا

جميع مهرجانات الجنادرية من أول مهرجان حتى المهرجان الثامن عشر

1401: مهرجان الترويح السياحي في أبها

1400: مهرجان البنك الإسلامي للتنمية بجدة

مهرجان يوم الشرطة العربي بجدة