خلال حواري مع طالباتي عن تطبيقات حديثة على الإنترنت، للإسهام في الموقف التعليمي ودعمه، تقدم الحوار إلى أن وصل بنا إلى الحديث عن برامج التواصل الاجتماعي، وأخذت الطالبات يعددن كثيرا منها، والتي أعرفها من قبل مثل: «سناب شات»، و«إنستجرام»، و«فيسبوك».

لكن، ما استوقفني حقا، أن إحداهن ذكرت اسم برنامج «تيك توك»، وبدأت تتحدث عن خطورته، خاصة أنه وصل -ليس فقط إلى أيدي بنات المرحلة المتوسطة- بل انتشر لدى طالبات المرحلة الابتدائية، ولم تكتف بذلك، بل قامت تعرض علينا ما يتم تناوله على هذا التطبيق!.

هنا، شعرت -فعلا- بأنه يجب أن ندق ناقوس الخطر!.

كنت قد قرأت عن أمهات في الغرب يدفعن بناتهن إلى مسابقات ملكات الجمال، ويصل الأمر بهن إلى أن يجرين لهن عمليات تجميل!، أمهات يجبرن بنات في عمر الزهور على تعلم الرقص والغناء وعرض الأزياء، لا يتركهن كي يعشن طفولتهن كبقية أترابِهنّ!. ولكن، أن أجد أن الأمر قد وصل إلينا، فهنا الطامة الكبرى!.

أصبحت لدينا أمهات يشجعن بناتهن على الظهور خلال هذه البرامج يستعرضن، لا أدري بماذا، وكأنهن حكيمات الزمان، أو يعرضن الملابس أو الإعلانات!، وكل ذلك من أجل ماذا؟ من أجل المادة! يستخدمن بناتهن كجهاز سحب للكاش!، والصغيرات سعيدات بالشهرة والانتباه، إلى أن يستيقظن ويجدن أن العمر قد ولّى وهنّ لم يتقدمن في العلم أو المعرفة، ولم يكنّ سوى «مانيكانات» تُحرَّك بخيوط من الخلف.

وماذا عن المتابعين؟ هل تصدقون أن من متابعيهن سيدات طاعنات في السن؟! هل وصل بنا الفراغ والجهل إلى هذا الحد؟!

سيدات لا يجدن ما يتسلين به سوى متابعة حسابات الأطفال على برامج التواصل الاجتماعي.

وماذا عمن يردن التقليد من البنات الصغيرات؟ وماذا عمن لم يستطعن ذلك ويصبحن عرضة للسخرية القاتلة من المتابعين؟ هل تستطيع ابنة السادسة أو الثامنة أو الثانية عشرة، أن تتحمل هذه النوعية من التنمر؟!

إن كانت الكبيرات قد تحطّمن وخسرن كثيرا، مثل ما حدث للشابة «زلابية»، بعدما نشر مقطع حفل خطوبتها على «تيك توك»، وتم تشريحها وتمزيقها بالكلام الجارح، إلى درجة أن خطيبها تخلى عنها ثاني يوم الخطوبة، ليس هذا فحسب، بل طُلّقت أختها أيضا!.

بوجود المرضى من محبي التنمر، والذئاب البشرية التي تنتظر حتى تنقضّ على الأطفال لتنتزع براءتهم، لماذا نستخف أو نقلل من خطورة هذه البرامج؟!

لا أحد يريد أن يربي أبناء أحد، ولا نريد أن نملي على أحد كيف يجب أن يربي أبناءه وبناته، ولكن ألا يستدعي الأمر أن نتنبّه ونحرص على أن نحميهم؟.

لا نستطيع أن نمنع أحدا من أن يشتري لأبنائه الأجهزة الإلكترونية التي يستطيعون خلالها تحميل ما يريدون من النت، ولكن نستطيع أن نظهر لكم المخاطر، ونطلب منكم -بل نرجوكم- أن تعيروا أبناءكم قليلا من الانتباه والمتابعة، لا نجلس على رؤوسهم، ولكن نتابعهم عن كثب، ونشاركهم في مخاوفنا، ونبيّن لهم كيف يحمون أنفسهم.

والأهم من ذلك، أن نربي فيهم الثقة بالنفسن بحيث لا يحتاجون إلى التقليد أو الشهرة، أو البحث عن طرق زيادة المتابعين، حتى يثبتوا ذواتهم.

والأبعد من ذلك، نحن لا نريدهم أن يصلوا إلى مرحلة الإدمان على متابعة هذه البرامج، لأن ذلك له سلبيات عدة، منها الانعزال والوحدة، مما يؤدي إلى التشويش في التفكير، وعدم القدرة على التركيز خارج العالم الافتراضي الذي يعيشونه.

لقد نبّهت بعض وزارات التعليم في دول مختلفة، منها الجزائر، التي أصدرت بيانا تنبه فيه إلى مخاطر تطبيق «تيك توك»، ضمن حملة الوقاية من المخاطر التي تنجم عن الاستعمال السيئ لشبكات التواصل الاجتماعي.

والجدير بالذكر هنا، أن عدد المشاركين من الأطفال الذين يستخدمون البرنامج ممن هم في الـ13 سنة أو أقل، في تصاعدٍ مخيف، يعني أن الأطفال يتابعون ماذا؟، هم في الغالب يتابعون من يجدون لديها الشكل الجميل أو الملابس الأنيقة، أو أنها مضحكة أو من تنشر المقالب والتحديات، وهنا خطر أكبر إما بتسفيه العقل، وإما بتعريض البنات للمخاطر، ولما لا تحمد عقباه.

والأمر الذي يدمي القلب حقا، أن كثيرات من البنات الصغيرات أصبحن يقمن بتقديم مقاطع غناء، وهن يقمن بحركات بعيدة كل البعد عن الأدب والأخلاق، ليس هذا فقط، بل يرتدين ما يخدش الحياء، حتى أصبح كثير منها -أي المقاطع- شبه إباحية، لأن المتابعات صغيرات أيضا، ولا يدركن الخطورة أو المسؤولية من وراء تقليد تلك المقاطع، وعادة ما يدخلن غرفهن ويقمن بتسجيل المقاطع لأنفسهن، وينشرنها على البرنامج، وبما أن كثيرات منهن -أيضا- لا يتقن غالبية الحركات أو يظهرن بملابس غير متناسقة أو ربما مضحكة، تنهال عليهن التعليقات الساخرة، لتدمر وتسحق وتشرح أرواحهن الغافلة بتوحش وهمجية!. لنتخيل هذه الطفلة عندما تستقبل كل هذا التوحش والتنمر، ماذا نتوقع أن يحصل لها؟ أمراض نفسية لا تعد ولا تحصى، وأين الأسرة؟ إنها في سبات عميق، تاركة أجهزة الجوال بين أيدي الأبناء والبنات، دون مراعاة أو مراقبة.

نعم، أدقُّ ناقوس الخطر، لعل وعسى يصل صوته ونتحرك كمجتمع، لحماية فلذات أكبادنا.