لا يمكن لمحورٍ عربي دون غيره احتكار القضية الفلسطينية. حتى الفلسطينيين أنفسهم لا يمكنهم الاستئثار بها. هي قضية عربية كبرى، ليست أزمة خدمية في بلدٍ عربيٍ ما. هذا الحديث ينطبق على ما قبل وما بعد «خطة السلام» التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية. قد تختلف الآراء أو تتفق من حيث التسمية. البعض ينعتها بـ«صفقة القرن». هذا شأنه. والبعض الآخر يرى أنها بالمفهوم السياسي -بعيداً عن وصفها أو تسميتها أو قبولها من طرف على حساب طرف آخر على أقل تقدير- تعتبر مُحركاً لملف مفاوضات غرق في مياه راكدة.

دول الاعتدال في العالم العربي قالت رأيها في القضية بأسرها. بالأحرى لم تُغيره منذ عقود من الزمن. الرياض على سبيل الاستدلال، التي تُعد أبرز دول الاعتدال في المنطقة، أبدت رأيها واعتبرت أن القضية الفلسطينية قضيتها، وقضية العرب والمسلمين الأولى. ليست هذه المرة الأولى التي تدعو فيها المملكة إلى دفع عملية تحقيق السلام العادل والشامل، واعتبار السلام خياراً إستراتيجيا، يؤدي لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه العادلة. تكاد لا تخلو جلسة مجلس وزراء في السعودية من التأكيد على ذلك.

بعيداً عن المقارنات، أن يأتي صوتٌ من مكانٍ أبعد ما يكون عن الاعتدال، فهذا أمر مستغرب. طهران وصفت الأمر بـ«كابوس» واعتبرته «مشروع عقاري وهمي مفلس». قد يتبادر سؤالٌ مشروع إلى ذهن أيٍ كان من العرب أو حتى من البشر، ما شأن الجمهورية الإيرانية في شأنٍ عربي خالص؟ وقد يكون تفسير ذلك في ذهنٍ ما، أنه من المحتمل أن يكون لعلاقة طهران بما تُسمى حركة حماس «الإرهابية» في غزة، دور في القفز الإيراني على القضية. وقد يأتي رأيٌ آخر يجد في المقابل أن لما يسمى بـ«مشروع المقاومة» المزيف دورا في ذلك.

المقاومة التي تتشدق بها طهران، ويردد صدى صوتها «زعيم الضاحية الجنوبية» في لبنان، تبخرت وانتهت مع الوقت. أكثر الأدلة على تبخرها أو على أنها تحولت إلى مشروعٍ مزيف، و«شعار» للاستهلاك والضحك على عقول السُذج والبُسطاء، هو تحول بندقية ما يُدعى حزب الله «الإرهابي» في لبنان إلى صدور الشعب السوري. سقطت الأقنعة وكُشف حينها زيف ما يسمى بالمقاومة. بات أكثر وضوحاً أنها لا تتجاوز كونها كذبةً تاريخية ابتكرتها طهران، وسوّق لها حسن نصر الله في لبنان وبعض المستفيدين من «القومجية».

تناقضات «المقاومة المزعومة» عديدة ولا تحتمل مقالاً واحداً. آخر أشكال تلك التناقضات، يجسدها دعم حسن نصر الله للشعب الفلسطيني باستعادة حقوقه، وانتزاعه الحق ذاته من الشعب السوري. نصر الله لم ينتزع من السوريين العيش في وطن مستقر، بل قتل منهم ما قتل، وشرد ما شرد. اصطف إلى جانب ميليشيات أجنبية رمت بثقلها في الحرب السورية. ذلك أقصى وأبشع تناقضات المحور ونصر الله «القاتل».

لم يتوقف المحور برمته، والسيد حسن نصر الله تحديداً عند ذلك، بل تجاوزه عبر دعم ميليشيا «إرهابية» في اليمن، على حساب حكومة شرعية. هنا تناقض معكوس. في سورية يدعم نظام على حساب الشعب، وفي اليمن يدعم ميليشيا متطرفة على حساب النظام الشرعي. الأدهى من ذلك وما يُشكل استغباءً للعقلية العربية، كون السيد بمشروعه يُعادي تنظيم الإخوان المسلمين، ويساند حركة حماس المحسوبة على هذا التنظيم «الإرهابي» في غزة. مؤخراً تبين أن الحركة – أي حماس – تُجيد الردح على مواويل اللطم الإيرانية. هذا يؤكد تناغم التطرف بالباطن في الجهتين. حماس وحزب الله اللبناني.

لم تعُد تنطلي على الذهنية العربية صيحات ومهاترات نصر الله من «حجرة» في الضاحية الجنوبية. لن تجدي شعارات «الموت لأمريكا والموت لإسرائيل» بعد انغماس بندقية الحزب في الدم العربي. على رغم قدرته على مخاطبة العقل الجمعي، إلا أن الحزب وسيده باتا لا يجيدان المساندة إلا من قبل بعضٍ من القومجية والعروبية، وثُلة قليلة من البُسطاء. البقية تعتبر قواعد شعبية مُتململة. وبالرغم من ذلك، لا يزال نصر الله مُصراً على تكريس مفهوم المشروع المنغمس بالدم.

لن تبتعد اللعنة السورية عن إصابة حزب الله ومؤيديه بمقتل. ملايين المشردين كلاجئين في عدة دول لم يكونوا من حاملي السلاح. ذنبهم الوحيد أنهم سوريون. وذنوب حسن نصر الله العديدة ستقوده يوماً إلى المقصلة. مقصلة التاريخ بالانتظار يوم لا يجدي فيه لا صياح ونياح. انتهى الأمر وسقطت الأقنعة.