مع تطور خطط التخصيص الرصينة التي تقودها المملكة العربية السعودية، وتطبقها في كثير من الجهات الحكومية، بهدف إيجاد مصادر دخل أخرى تستفيد منها الجهات الحكومية. ولتجويد الخدمة المقدمة للمواطن والمقيم، دأبت كثير من الجهات الحكومية على إنشاء مراكز للأعمال، تتولى تقديم بعض الخدمات الحكومية كالاستشارات والتدريب، وكأنها مؤسسات خاصة، فهي بذلك تخدم شريحة معينة من المستفيدين.

الإشكال ليس في الخدمة، بل في عدم وجود لوائح وتنظيمات واضحة لمراكز الأعمال، مما يعوق أعمال الرقابة عليها إداريّا وماليّا.

وكما يقول المثل الشائع: «المال السايب يعلم السرقة»، فإن مداخيل هذه المراكز مال سائب.

مداخيل هذه المراكز بالملايين، ولكن كيف تتم الحوكمة في هذه المراكز؟ كيف يمكن مراقبة التوزيع العادل للفرص بين الموظفين للاستفادة من هذه الأعمال

ومداخيلها؟ كيف يمكن التأكد من استحقاق وكفاءة مقدمي الخدمة؟ كيف يمكن التظلم على الإجراءات الخاطئة، إن وجدت؟ كيف يمكن التأكد أن هذه المراكز تقدم -فعلا- خدمة منافسة للقطاع الخاص، ولا تستغل سمعة القطاع الحكومي وجديّته ومظلته لتحصيل أموال إضافية؟.

الحقيقة، أن كل هذا غير ممكن في ظل غياب اللوائح والتنظيمات التي تضبط حركة المال، وتضمن تكافؤ الفرص وسلامة الإجراءات المتبعة.

ومن مخاطر هذا الفراغ التنظيمي، ظهورالشللية والمحسوبية للمتنفذين في هذه المراكز، للحصول على فرص تعود بمنافع مالية على الموظف، كما أنه يفتح المجال لاستخدام مؤسسات الدولة ومقدراتها ومبانيها وأموالها العامة، للحصول على منافع قد تكون شخصية، دون ضوابط أو خوف من المساءلة.

لا شك أن الجهات الرقابية -منها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، والديوان العام للمحاسبة- تقوم بجهود كبيرة في هذا الشأن، وتراجع ملفات مراكز الأعمال في كثير من الجهات الحكومية، ومع ذلك فإن غياب القوانين المنظمة لمراكز الأعمال يعد عائقا أمام الجهات الرقابية، يصعب معه إحكام السيطرة ومتابعة أشكال الفساد الإداري أو الهدر المالي.

وبالنظر إلى موجة الرأسمالية القادمة التي تحتم على الجهات الحكومية التحول مبدئيا نحو تخصيص خدماتها، فإنه من المتوقع افتتاح مزيد من مراكز الأعمال لتشمل قطاعات مختلفة، وهذا بدوره يحتم تنظيم عمل هذه المراكز، أوإدراجها تحت مظلة قانونية واضحة المعالم.

ما أتحدث عنه هنا، هو قانون أو لائحة تنظم تقديم الأنشطة والخدمات الخاصة من قِبل الجهات الحكومية، بما يضمن جودة الخدمة المقدمة ورضا المستفيدين، وسلامة الإجراءات الإدارية والقانونية، وتوزيع فرص العمل بعدالة، ومراقبة مداخيل هذه المراكز، وضمان وجاهة صرفها.

صحيح أن بعض المراكز تضع لوائح تنظيمية داخلية، لكنها غير كافية، إذ إنها لا تخضع للحوكمة من جهة، كما أنها سرية غيرمعلنة من جهة أخرى في بعض المراكز. وهذا موضع آخر للتساؤل والريبة، فلا يوجد في قاموس القانون لوائح سرية، فالسرية هنا مدعاة للفساد، إذ المسؤول يتصرف في اللائحة منفردا دونما رقيب أو حسيب. وهذا يفرغ اللوائح من مضمونها، كنظام تترتب بموجبه المسؤوليات.