أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية جائزة العمل لمنشآت القطاع الخاص، بهدف تشجيع رفع نسبة التوطين، والدفع نحوالامتثال لمعايير توفير بيئة العمل المثالية بصفة عامة، بما يحقق التنافسية بين المنشآت، ويشجع القوى العاملة للعمل في القطاع الخاص، وذلك ضمن خططها الإستراتيجية في الاهتمام برفع نسبة التوطين، بما ينعكس على استقطاب الباحثين عن عمل للالتحاق بسوق العمل في القطاع الخاص.

نقدر جهود الوزارة ومساعيها المستمرة لمعالجة أكبر معضلة تواجه سوق العمل، ألا وهي رفع نسبة التوطين في القطاع الخاص، بهدف مشاركة المواطن/‏ة في عملية البناء الوطني، وبما يسهم في الحد من البطالة المرتفعة بين المتعلمين من المواطنين، وبما يعمل على تصحيح إشكالية خلل هيكل الموارد البشرية في القطاع الخاص، والذي تنخفض فيه نسبة التوطين إلى مستوى كبير.

لعل من أهم مرتكزات العمل المؤسسي وإجراءاته التي تكفل نجاح ما يطرحه من برامج ومبادرات أو خطط عمل لمعالجة مشكلة معينة، أن تتحدد -بدايةً- حقيقة المشكلة، واستشعارها بشفافية وواقعية ورؤية تستوعب ملابساتها الفعلية، وما يحيط بها من تحديات وعقبات تحول دون معالجتها، وبذلك نكون قد بدأنا في الطريق الصحيح لمعالجة المشكلة، بوضع الافتراضات والحلول المناسبة، وذلك هو الأسلوب العلمي في معالجة التحديات، وخلق الابتكارات المتجددة التي تناسب متطلبات الدراسة أو الحالة المطلوب معالجتها.

بالإشارة إلى مضمون مستهدفات الجائزة، التي تضمنت تشجيع القوى العاملة للعمل في القطاع الخاص، والدفع نحو الامتثال بالمعايير المناسبة لبيئة العمل، وأنه سيحفز القوى العاملة للإقبال على العمل في القطاع الخاص، خاصة بالنسبة للمرأة، والتي كانت مستهدفة في ذلك.

فإنه يترتب على ذلك الإجراء أو المبادرة، تساؤلات مطروحة على الوزارة وهي: هل انخفاض نسبة مشاركة المواطنين في القطاع الخاص كان سببها، أن المواطن يعزف عن العمل فيه؟! وهل يعمل المتخرجون من المواطنين منذ سنوات في القطاع الحكومي؟! أم إن الفرص النادرة المتاحة لهم في القطاع الخاص، هي التي يعملون فيها منذ سنوات؟! وهل دراسات الوزارة ومتابعتها لإشكاليات سوق العمل وسبب البطالة فيه، أعطتها تلك النتائج المضللة؟! وهل من خلال جائزة عمل تمنح للمنشآت المتنافسة، يمكن تصحيح معضلة التوطين وبيئة العمل؟! وهل ذلك الاجراء يسهم في الحد من البطالة المرتفعة بين المواطنين خاصة المتعلمين منهم؟!

مما لا شك فيه، أن الوزارة ورؤيتها وسياساتها، بعيدة كل البعد عن حقيقة إشكاليات سوق العمل، والتي يمثل فيها انخفاض مشاركة المواطن، القطب الأهم والمركزي في تحديات سوق العمل، والتي ليس سببها عزوف المواطن وابتعاده عن العمل في القطاع الخاص، فتلك مرحلة تجاوزناها منذ عقود، لكن -للأسف- ما زال منظور الوزارة وسياساتها وخططها تقف عند تلك المراحل الماضية ولم تتجاوزها، بتصحيح وتغيير كثير من بنود ومواد نظام العمل الذي لا يخدم المواطن ليس في توظيفه فقط، وإنما حتى في حفظ حقوقه وتأمينه من تعديات أصحاب العمل والمؤسسات، التي تقودها موارد بشرية غير مواطنة، تعمل على تهميش المواطن وإبعاده من السوق رغم كفاءته، وهذا ما تثبته الوقائع الميدانية في مؤسسات القطاع الخاص بل والقطاع الحكومي.

إن المقارنة بين نسبة مشاركة المواطن في القطاع الخاص وغير المواطن، لتؤكد أن هناك عملية منظمة تديرها الموارد البشرية غير المواطنة في إقصاء المواطن عن مكانه، وفرص العمل المتاحة في سوق العمل، لتوظف بها غير المواطنين ممن يحملون جنسياتهم، أو من يجدونه من جنسيات أخرى تناسبهم، ويظل الهدف الرئيسي إبعاد المواطن، لأنه سيكون الأهم في المكان لو تقلد تلك الوظائف والفرص المتاحة.

وعليه، فإنه من المناسب تذكير مسؤولي الوزارة بأن نسبة مشاركة المواطنين في القطاع الخاص لم تتعد 22 % من العاملين في السوق!، وذلك حسب الإحصاءات الأخيرة لمسح القوى العاملة في الربع الثاني والثالث من 2019، بينما تسجل مشاركة غير المواطنين للفترة المذكورة نفسها نسبة 77.5 %، من نسبة المشاركين في سوق العمل الوطني!، وذلك في ظل ارتفاع عدد الباحثين عن عمل من السعوديين إلى 1.025.328 مواطنا في الربع الثالث، بعد أن كانوا 1.002.855 مواطنا في الربع الثاني، بما يعني أن هناك زيادة متنامية، بسبب مخرجات التعليم المستمرة، على الرغم من انخفاض البطالة بين السعوديين من 12.3 % إلى 12.0 % للفترة نفسها!.

نحتاج -كمؤسسات عامة رسمية وكقطاعات معنية بمنشآت القطاع الخاص- استشعار حقيقة المشكلة التنموية التي نواجهها في قطاعاتنا المختلفة، والتي تنعكس على منجزاتنا التنموية، والتي تتحدد في ضعف مشاركة المواطن في منشآته المختلفة، رغم وجود الأكفاء والمتعلمين المتخصصين منهم، الذين أنفقت عليهم الدولة مليارات من ميزانيتها لاستكمال دراستهم بمختلف مستوياتها وتخصصاتها، ليأخذوا مكانهم الطبيعي في مؤسساتهم الوطنية، ويكونوا المستقطبين فعليّا وليس غيرهم.

استقطاب المواطن للعمل ورفع نسبة مشاركته لا يحتاج إلى جوائز، وإنما لنظام عمل ضابط ومنظم وحاكم لسوق العمل بمؤسساته المختلفة، ومتابعة شفافة ومستمرة لواقع التنفيذ وللمستجدات الطارئة والتحديات المتجذرة منذ عقود.