يعيش الإنسان حياته في صولات وجولات، ما بين شد وجذب ومدٍ وجزر. يدخل المعارك الواحدة بعد الأخرى راغباً في تحقيق النجاح والعيش بسعادة، ولكن المضحك المبكي أنه مع تقدمه بالعمر تتغير أفكاره ويود أن يعود ليصلح ما فاته من الزمن.

من أجمل ما كتب في هذا السياق وداعية الروائي (غابريل ماركيز) في رسالة موجهة إلى قرائه بعد إصابته بورم خبيث قال فيها: (آه لو منحني الله قطعة أخرى من الحياة! لاستمتعت بها — ولو كانت صغيرة — أكثر مما استمتعت بعمري السابق الطويل، ولنمت أقل، ولاستمتعت بأحلامي أكثر، ولغسلت الأزهار بدموعي، ولكتبت أحقادي كلها على قطع من الثلج، وانتظرت طلوع الشمس كي تذيبها، ولأحببت كل البشر، ولما تركت يوماً واحداً يمضي دون أن أبلغ الناس فيه أنني أحبهم، ولأقنعت كل رجل أنه المفضل عندي).

ومن القصص الشهيرة المتداولة قصة الممرضة الأسترالية بروني وير وقد ذاعت شهرتها بسبب مقالة بسيطة كتبتها في 2009 عن أكثر ما ندم عليه الراحلون عن الدنيا، وقد كانت تعمل بالجناح الخاص للطب التلطيفي، تقول المؤلفة إن من الأمور العجيبة ما يتمتع به هؤلاء المرضى من حكمة ورؤية واضحة للأمور في نهاية حياتهم، وما يمكن أن نتعلم منهم. إجابات المرضى جاءت متشابهة ومتكررة (وتم اقتباسها في هذه المقالة) وها هي أهم تلك الأمور:

1 ـ أتمنى لو كانت لديّ الشجاعة لأعيش حياة حقيقية لنفسي وليس الحياة التي توقّعها مني الآخرون.

2 ـ أتمنى لو لم أعمل بكل طاقتي. وهذه الأمنية جاءت من جميع المرضى الذين أفنوا حياتهم بالكد والعمل المضني، فلم يتمتعوا بشبابهم أو بحياتهم الأسرية.

3 ـ أتمنى لو كانت لدي الشجاعة للتعبير عن مشاعري. كثير من الناس كبتوا مشاعرهم ولم يقدروا على التصريح بإعجابهم أو محبتهم أو حتى كرههم وانتقادهم للأشخاص رغبة في العيش بسلام أو خوفاً من العائلة والمجتمع

4 ـ أتمنى لو بقيت على اتصال بأصدقائي. غالباً، لا ندرك أهمية أصدقائنا القدامى إلا بعد فوات الأوان، وأن يكون ذلك الصديق قد فارق الحياة أو ابتعد لأي سبب آخر والندم لعدم بذل الجهد للمحافظة على تلك الصداقة. ولا تريد أن يصل بك العمر لتنهيدة محمد درويش الشهيرة (إن عادت المقاهي فمن يعيد الرفاق)

5 ـ أتمنى لو تركت نفسي تعيش بسعادة أكثر. وهذه الأمنية ولدهشة الجميع شائعة بين كثير من المرضى الذين ظلت حياتهم عالقة في نمط معين مكرر تقليدي لأسباب اجتماعية أو شخصية بينما كانوا يتوقون في داخل أنفسهم إلى الفرح والمرح.

ختاماً....أرجو أن نتعلم مما سبق لأن (الحياة قصيرة) ولا تستاهل ذلك الهرج والمرج، لنبتسم ونمرح ونضحك ونتفاءل، وندع الأحقاد (فإن هذا الوقت سوف يمضي) ولنجعل (غروبنا) عن هذه الحياة سهلاً وجميلا....اللهم فأحسن ختامنا.

لا ندرك أهمية أصدقائنا القدامى إلا بعد فوات الأوان، وأن يكون ذلك الصديق قد فارق الحياة أو ابتعد لأي سبب آخر، والندم لعدم بذل الجهد للمحافظة على تلك الصداقة.