التعصب حالة سيكولوجية، فإذا رأيت أبوين أو عائلة أو عشيرة أو قبيلة أو حزبا أو دولة يدب فيها التعصب فهو دليل (خوف)، ولهذا ستجد في القبيلة التي يتفشى فيها (الجهل) تعصبا أكثر من قبيلة ينتشر فيها المتعلمون، والعلم ـ الذي نقصده ــ ينتج حالة وموقفا جديدا من الحياة أكثر اتساعاً وتسامحاً، وليس مجرد معلومات وأوراق تسمى شهادات علمية رفيعة يحصل عليها الإنسان، ثم يقتل زوجته لأنها ركبت تاكسي من غير إذنه.

التعصب هو الرغبة في استعادة الرحم الجامع لسلالة أب واحد، طوطم واحد، ولهذا فالخوف سلاح ذو حدين، فيمكن استخدامه لجمع الناس لتكوين دولة، ويمكن استخدامه لتمزيق الدولة عبر نشر الخوف لأسباب عرقية أو طائفية أو طبقية أو... أو.

التعصب هو عمى فكري، وعمى سلوكي، عانت منه أمريكا بين سود وبيض وقد تجاوزته بميكانيزمها الخاص الذي أوصل أوباما إلى رئاسة أمريكا، وعانت منه رواندا بين جماعتين قبليتين من الهوتو والتوتسي فنتج عنه أكبر إبادة في زمننا المعاصر، نحو ثمانمائة ألف نسمة قتلوا خلال مائة يوم بمعدل يقارب ثمانية آلاف قتيل كل يوم، وتعرض فيها مئات الآلاف من النساء للاغتصاب.

التعصب على مستوى القبيلة مؤشر خوف وقلق، وليس مؤشر قوة، فالتعصب غريزة فطرية يلجأ لها الإنسان عند خوفه من المجهول، أما إذا زادت معرفته فهو يتجاوز تعصبه فينطلق في طريق المجهول الذي أصبح معلوماً لديه.

التعصب (أنا) فارغة تتعبأ بعنتريات استعراضية مليئة بغرائز بدائية طفولية، تتقاطع مع الثدييات على مستوى ضبط النفس وردات الفعل، ولهذا ينهزم المتعصبون في ميدان المدنية والحضارة، نشوتهم فقط في ميدان البربرية، وكل ما من طبيعته أن يكون خارج مفاهيم الدولة الحديثة والحضارة الإنسانية.

التعصب ليس فخراً إلا في (الجيوش)، والفخر العسكري رغم ظاهرة العصبوي يكمن في الانضباط والكفاءة، وليس في مستوى الانفلات الأخلاقي، فما زال (سجن أبوغريب) عار في جبين أمريكا، مهما أشغلتنا بدعاوى حقوق الإنسان التي تفقد قيمتها الإنسانية منذ أول رائحة لإقحام مكاسبها الإمبريالية كأدوات ضغط، فموسم رعاية أمريكا لحقوق الإنسان تكرارٌ لموسمها في رعاية الإسلام السياسي، عندما استخدمته لتحقيق مصالحها في أفغانستان على ظهور الحمقى من أبنائنا، فتخرج القاعدة ثم داعش، ولا يلدغ العاقل من جحر مرتين، أما المؤمن في كل دين وملة فقد لدغ ولا زال يلدغ بعدد الرؤوس التي ماتت في سبيل الحروب الدينية والطائفية عبر مئات السنين في آسيا وأوروبا وإفريقيا، لولا العقلاء في كل طائفة ومذهب وملة عبروا بشعوبهم قنطرة الموت الطائفي والديني إلى معنى حقن الدم وعصمة الإنسان الذي يسمو فوق تصوراتنا الدينية المتغيرة بتغير الأزمنة والأمكنة والظروف، فتسامح المسلم السويدي لأبوين مسيحيين في ستوكهولم يختلف عن تسامح المسلم الأفغاني لأبوين مسلمين في وزيرستان معقل طالبان.

ختاماً: التعصب القبلي (خوف) يزداد عند من أضاعوا بلح البادية، ولم يدركوا عنب المدينة، فتراهم على شكل (درباوي مهايط). التعصب الديني (خوف) يزداد عند من أضاعوا بلح الفطرة، ولم يدركوا عنب الفقه، فتراهم على شكل (إرهابي متطرف). التعصب الحقوقي (خوف) يزداد عند من أضاعوا بلح الأمن النفسي، ولم يدركوا عنب الأمن الوطني، فتراهم على شكل (ناشط معارض). التعصب (خوف) يزداد عند التحولات الكبرى لتراكمات كمية تفرز تغيراً نوعياً يحتاج إلى إرادة تمتلك الرؤية وتقودها، حاملة أعباء الخائفين من كل نوع ليطمئنوا بمجرد تجاوز القنطرة بين ضفتين وزمنين.

أما (المنشقون) خارج أوطانهم، فقد زايدوا على غيرهم بأنهم (أحرار أكثر من اللازم)، وتلك حماقة من لا يفرق بين أن يكون صقراً حراً رغم أوقات البرقع التي قد يمر بها بيد الصقار، وبين أن يكون رخمة لا صاحب له إلا الجيف وضباح الثعالب حوله، وأقصى القلق ومرارة الحنظل أن يختفي الصقَّارون مع تقدم الأزمان فيأتي من يأخذ الصقر بجريرة الرخمة، أو يضع الرخمة مكان الصقر، فكيف لو رأينا الصقر مشوياً، عندها نعلن وفاة البيزرة وبداية عصر السَلَق.