وكأن إيران لم تكتف بكل الأدوار التخريبية التي تلعبها في المنطقة، من تصدير للإرهاب وإثارة للنعرات وتأجيج للصراعات وإذكاء للطائفية وتشجيع على الفوضى، وأبت إلا أن تكمل أدوارها الشريرة بدور جديد لا يقل عن كل ذلك سوءا، عبر نشرها مرض كورونا الفتاك الذي بدأ في الظهور في عدد من دول الخليج، عبر مسافرين كانوا مؤخرا في إيران. ويتجلى دورها في نشر المرض في تعمدها عدم ختم جوازات الخليجيين الذين دخلوا إلى أراضيها، مما أدى إلى غياب المعلومات التي كان من الممكن أن تسهم في تحجيم الخسائر وتقليل الأضرار، في تصرف أثار الشبهات ووضع العديد من علامات الاستفهام حول المغزى من عدم ختم جوازات الداخلين إليها والخارجين منها، وهو ما يتعارض مع الأنظمة والقوانين الدولية التي تحكم حركة السفر والتنقل بين الدول.​

خلال الأيام الماضية ابتليت كافة دول الخليج العربي بظهور أعراض المرض على بعض مواطنيها، وتكمن المفارقة في أن كافة من ثبتت إصابتهم بالمرض اتضح أنهم زاروا إيران خلال فترة وجيزة، مما يقطع الشك باليقين في أنهم أصيبوا به هناك، لذلك فإن عدم إدراك دولهم لحقيقة دخولهم الأراضي الإيرانية وخروجهم منها بسبب عدم وجود أختام دخول أو خروج إيرانية على وثائق سفرهم أحدث قدرا من التشويش، وتسبب في حدوث تهديد جدي بإمكانية نقلهم العدوى إلى أفراد أسرهم وزملائهم في العمل وجميع من اختلطوا بهم عقب عودتهم، لذلك كان التحرك السعودي سريعا وحازما عبر بيان رسمي ناشد جميع المواطنين الذين زاروا إيران خلال الأسبوعين الماضيين بالإفصاح عن ذلك، حفاظا على حياتهم وحياة المحيطين بهم ومجتمعهم بشكل عام، مع استثنائهم من تطبيق أحكام نظام وثائق السفر ولائحته التنفيذية في حال بادروا إلى ذلك في مدة أقصاها 48 ساعة من إصدار البيان.​

هذا السلوك غير المسؤول للنظام الإيراني يضعه أمام مسؤولية قانونية مباشرة عن صحة الذين تكتم على دخولهم لأراضيه، وسلامة عائلاتهم وكافة من يختلط بهم، ويحمله وزر التسبب في تفشي الإصابة بالفيروس وانتشاره عبر العالم، كما يعد تقويضاً للجهود الدولية لمكافحة الفيروس ويشكل خطراً على العالم أجمع، لذلك فإن تصرف طهران يفتح الباب واسعا أمام ملاحقتها قانونيا أمام المحاكم المختصة، بتهمة تشكيل خطر صحي يهدد سلامة البشرية، ومطالبتها بتعويضات مالية ضخمة بسبب الخسائر الناجمة عن تفشي المرض وانتشاره، لا سيما أن منظمة الصحة العالمية والهيئات ذات الصلة لا تتسامح مطلقا أمام كل تصرف من شأنه أن يتسبب في ظهور أوبئة تهدد السلامة العامة.​

إذا نظرنا إلى طريقة تعامل السلطات الإيرانية تجاه تفشي المرض وانتشاره وسط مواطنيها فسوف نرى العجب العجاب، وتتضح لنا جليا طريقة تفكير الذين يتولون حكم طهران، والعقلية التي يفكرون بها، والتي لا تقل تخلفا عن عقليات من كانوا يعيشون في العصور الحجرية، حيث مارس النظام - كعادته - تكتما كاملا أمام ظهور العديد من حالات الإصابة بالمرض، وابتعد عن نهج الشفافية المطلوب في مثل هذه الحالات، ومارس أنواعا قاسية من التهديد والبطش بحق كل من بدأوا في الجهر بالحقيقة وحاولوا دق جرس الإنذار. واستمر النظام في إنكار الحقائق الدامغة، حتى وصلت حالات الإصابة بالمرض والموت بسببه إلى داخل الحلقة الضيقة التي تتولى زمام الحكم ومن ضمنها مستشاري المرشد والرئيس ووزير الخارجية وكبار المسؤولين.​

ونتيجة لذلك الوضع المزري فإن النظام الذي يعاني أصلا من العزلة وجد نفسه في جزيرة معزولة، بعد أن أوصدت كافة دول الجوار حدودها معه، ومنعت حركة الدخول والخروج من وإلى إيران، واتخذت تدابير وقائية سريعة لإجلاء رعاياها. كل ذلك بسبب سوء التصرف وغياب الحكمة، وعدم إدراك حقيقة أن النظام العالمي الذي نعيش في كنفه له موجهات أساسية لا بد من اتباعها والتقيد بها، وفي مقدمتها الالتزام بالشفافية الكاملة وإيراد المعلومات الحقيقية في حالة احتمال وقوع وباء صحي يهدد العالم، وهو ما يحدث حاليا. لكن النظام الذي لا زال قادته يعيشون بعقليات الماضي ولم يفتح الله عليهم بمسايرة العصر استمرأوا ترديد الأكاذيب، ولم يدركوا أن طمس الحقائق وإخفاء المعلومات لم يعد ممكنا في عصر المعلومات والانفتاح الفضائي، حتى وجدوا أنفسهم أمام وضع لا يحسدون عليه، حيث تشير إحصاءات وزارة الصحة الإيرانية إلى تزايد معدلات الوفيات بشكل كبير، وتسجيل مئات الإصابات يوميا، وأن 40% من سكان البلاد معرضون للإصابة بالمرض خلال أيام قلائل، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جادة.​

في المقابل، بادرت المملكة إلى اتخاذ إجراءات سريعة لحماية مواطنيها والمقيمين على أرضها وزوارها، وقامت بحملة توعوية كبيرة لشرح أعراض المرض وطريقة التعامل مع الحالات المشتبه فيها، ووفرت من الأجهزة والمستلزمات الطبية ما يكفي لمواجهة أي طارئ. كما لم تتردد عند ثبوت إصابة بعض الأشخاص في الإعلان عن عدد الحالات المصابة. كل ذلك بشفافية متناهية ووضوح كامل. وبتنسيق تام مع الهيئات العالمية ذات الصلة، حتى يتحقق الهدف المشترك المتمثل في محاصرة المرض ومنع انتشاره واستئصاله.​

كذلك فإن مناشدة الذين زاروا إيران مؤخرا للإفصاح عن ذلك تثبت حرص القيادة السعودية على سلامة مواطنيها، وسعيها وراء ضمان مصالحهم، وعدم تساهلها أمام كل ما يمثل تهديدا للسلامة العامة، واستثنائهم من تطبيق الأنظمة، كا هذا يؤكد أن العقاب ليس غاية في قاموس المملكة، بل إن المصلحة العامة تقدم على ما سواها، وهذا هو الفرق بين من امتلك ناصية الحكمة وسعة الأفق والذهن المنفتح، وبين من أعمى الله بصيرتهم وتركهم في ظلمات يعمهون.​