بعد 72 عاماً من القلق القاتل للأمم المتحدة والإعراب عن الأسف لمهماتها لإحلال السلام، ترجل مبعوثها في ليبيا، غسان سلامة مسجلاً الاستقالة رقم 100 تقريباً لمبعوثيها، بعدما حفيت قدماه بين طرابلس وبنغازي ونيويورك وفشل في لملمة الليبيين بسبب تدخلات تركيا وقطر اللتين تدعمان ميليشيات إيديولوجية لا تؤمن بالحوار.

قصة المبعوثين الدوليين تراجيديا عمرها 72 عاماً حينما بدأت الأمم المتحدة مساعيها لإحلال السلام في العالم وتدخلت في أكثر من 36 دولة في قارات العالم المختلفة، وبعثت نحو 100 مبعوث أممي اختلفت مهامهم من ممثلين لمجلسي الأمن والأمم المتحدة ووسطاء ومنسقين دوليين وإقليميين وغيرها، فحققوا القليل من النجاحات والكثير من خيبات الأمل ليبقى «الإعراب عن القلق» علامة مسجلة باسم المنظمة الدولية.

اتفاق الصخيرات

في ليبيا أسقط اتفاق الصخيرات ثلاثة مبعوثين دوليين، ولم ينجح منهم أحد، آخرهم غسان سلامة الذي تم تعيينه في يونيو 2017، وظل الدبلوماسي اللبناني يعمل على إنجاز مهام لم ينجح فيها كل سابقيه، وهو تنفيذ مخرجات اتفاق الصخيرات الذي أنجزه سلفه 2011، وحاول توسيع دائرة الحوار بين جميع الليبيين، وتعديل اتفاق الصخيرات، وإجراء انتخابات نهاية 2018، قبل أن يترجل عن منصبه ويستقيل.

فشل كوبلر

يقول مراقبون إن الليبيين لم يجمعوا على شيء مثل إجماعهم على فشل المبعوث الأممي الألماني مارتن كوبلر «17 من نوفمبر 2015 إلى 21 من يونيو 2017» الذي واجه انتقادات منذ تعيينه من عدة أطراف ليبية ومراقبين مهتمين بالشأن الليبي، نظراً إلى أن السجل الدبلوماسي للرجل في الكونغو والعراق يؤكد أنه ليس الرجل المثالي للإشراف على ملف معقد مثل الملف الليبي.

ولكن الدبلوماسي الألماني الذي تم تعيينه 2015 سعى بكل السبل إلى تفعيل الاتفاقات التي قام بها سلفه ليون، لكنه واجه رفضاً من أغلب القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، بل إن تحركاته أغضبت حتى الشارع الليبي إلى أن غادر منصبه في يونيو 2017.

تعقيدات الصخيرات

تزامنت فترة تعيين المبعوث الأممي برناندينو ليون «أغسطس 2014 إلى نوفمبر 2015» مع حرب طاحنة في مختلف الجبهات في ليبيا ليعيش أصعب التعقيدات على الإطلاق بين كل المبعوثين إلى ليبيا بعد 2011، غير أن الدبلوماسي الإسباني حاول بكل الطرق جمع الفرقاء الليبيين من أجل تسجيل نقطة لم تسجل في سجل سابقيه. ونجح الدبلوماسي في توقيع اتفاق الصخيرات قبل مغادرته وأفرز مؤسسات سياسية مازالت تسيّر الوضع في غرب البلاد، لكنه اتفاق قاصر يؤكّد سياسة الاستعجال التي اتخذها ليون، حيث تسبب في تقسيم البنى السياسية في البلاد إلى غرب وشرق ما أوصله إلى طريق مسدود، وأخيراً يقرر ترك منصبه.

فشل متري

لم يكن السياسي اللبناني طارق متري «أغسطس 2012 خليفة البريطاني إيان مارتن» أفضل حظاً من سابقه البريطاني، رغم خبرته الدولية والأقرب من سلفه إلى الملف الليبي باعتباره قادما من بيئة عربية يفترض بها فهم الواقع بكل تعقيداته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد أشارت الأمم المتحدة إبان تعيينه إلى أن الرجل سيعمل على دعم التوجه الديمقراطي ومساعدة الليبيين على الحوار والوحدة، لكن الحقيقة ميدانياً كانت مختلفة تماماً. على الرغم من أن الدبلوماسي اللبناني جاء متأهباً لدعم سجله الأممي بإنجاز يخلد تجربته الدبلوماسية، إلا أن فترته لم تسجل أي تطورات أو تقدّم في ظل ارتفاع حدة الخلافات والانتشار التدريجي للميليشيا، إضافة إلى الانتشار الرهيب للاعتقالات العشوائية والتعذيب في أكثر من منطقة.

إيان مارتن

خلف الخطيب في المهمة الأممية الثانية في ليبيا البريطاني إيان مارتن رئيسًا للبعثة الأممية في 20 سبتمبر 2011، بعد أن عمل بضعة أشهر في البعثة الأممية - برفقة سلفه - في فترة ما بعد النزاع في ليبيا، ولكن مثل سلفه لم يمتلك مارتن الخبرة الكافية في بؤر التوتر والصراعات، قبل أن يصطدم بمشكلات قائمة حتى اللحظة من بينها المقاتلون وفوضى السلاح.

وعاشت ليبيا في عهده دوامة ما بين محاولة اغتيال فاشلة، وانتخابات ناجحة أفرزت في النهاية المؤتمر الوطني العام «البرلمان»، ولكن بقي مارتن مبعوثًا أمميًّا حتى أكتوبر 2012، ليغادر منصبه بعد أقل من عام على تكليفه.

الخطيب

بعد شهرين من اندلاع ثورة 17 فبراير، في السادس من أبريل عام 2011، عينت الأمم المتحدة وزير الخارجية الأردني الأسبق عبدالإله الخطيب مبعوثًا لها للوساطة بين النظام السابق وبين المجلس الوطني الانتقالي السابق، في ظل اشتعال الحرب بين الجانبين على محاور عدة في مهمة كانت شبه مستحيلة.

رغم خبرة الخطيب، في مفاوضات السلام منذ التسعينات، إلا أن مهمته في ليبيا كانت أصعب، إذ اصطدم بتمسك القذافي والثوار بموقفيهما، علاوة على الرؤى المتصارعة على ليبيا الجديدة إقليميًّا ودوليًّا، ليغادر الرجل منصبه في سبتمبر من عام 2011.

الأزمة السورية

كان الدبلوماسي المخضرم كوفي عنان الموفد الخبير الحائز على جائزة نوبل للسلام عام2001، والأمين العام للأمم المتحدة بين عامي 1997 و2006 أول مبعوثي الأمم المتحدة إلى الأراضي السورية، إذ عين في منصبه في 23 فبراير عام 2012. وحمل عنان خطة دبلوماسية تتضمن 6 نقاط لإرساء السلام في سورية ووقف الحرب الطاحنة بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، لإنجاح مفاوضات جنيف في جولتها الأولى في يونيو 2012، ليعلن كوفي عنان استقالته من منصبه.

الخبير الإبراهيمي

دفعت الأمم المتحدة بالدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي المتخم بالخبرات في جنوب إفريقيا، وهاييتي، ونيجيريا، والكاميرون، والسودان، وأفغانستان والعراق، لإتمام حل الأزمة في سورية، إلا أنه فشل أيضا في إتمام مباحثات جنيف 2 في فبراير 2014 والتوصل إلى تسوية بين طرفي النزاع المسلح في سورية، جراء الخلاف حول ملف الانتخابات الرئاسية السورية لينتهي الأمر بإعلان استقالته بشكل رسمي.

مباحثات جنيف

فشلت الأمم المتحدة في إحراز أي تقدم ملموس في الملف السوري الشائك، إذ لم يفلح فريق جنيف عبر 3 مبعوثين أمميين سبقوا، النرويجي جير بيدرسون، خلال السنوات الـ8 الماضية في التوصل إلى تسوية بين الحكومة والمعارضة السورية، في ظل انتقادات طرفي النزاع في سورية، واتهاماتهم لمبعوثي الأمم المتحدة بـ»عدم الموضوعية». وتسلم المبعوث الجديد للأمم المتحدة جير بيدرسون مهامه في 7 يناير كمبعوث أممي رابع إلى سورية منذ بدء النزاع في العام 2011، وسبقه إلى هذا المنصب ثلاثة مبعوثين هم، الأمين العام السابق للأمم المتحدة الراحل كوفي أنان، والأخضر الإبراهيمي، والإيطالي دي ميستورا.

فريق جنيف 3

لم تيأس الأمم المتحدة من إيجاد توافق في المباحثات، فدفعت مجدداً بالإيطالي ستيفان دي ميستورا، الذي ظل في منصبه منذ يوليو 2014 وحتى أكتوبر 2017 ليقود جنيف 3 في فبراير 2016، ثم جنيف 4 في فبراير 2017 والتي انتهت بالاتفاق على جدول أعمال يتضمن 4 عناصر هي «الحكم الانتقالى، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب» غير أن الأمم المتحدة لم تتمكن من تمريرها عبر ما يزيد عن 3 سنوات، وصولًا إلى جنيف 8 في نوفمبر 2017 ليترجل الرجل عن منصبه في أكتوبر.

معضلة اليمن

في اليمن توالى على هذا المنصب أربعة مبعوثين أمميين آخرهم المبعوث الحالي مارتن جريفيث الذي لا يزال يكافح لدفع عملية السلام المتعثرة، غير أنه أعرب عن إحباطه الشديد في تصريحات سابقة جراء التصعيد الحوثي الأخير، ما ينذر بتنامي قناعاته بفشل مهمته. بعد اشتعال حرب في 1994 في اليمن، أعلن الأمين العام السابق الدكتور بطرس بطرس غالي تعيين الأخضر الإبراهيمي كوسيط بين صنعاء وعدن لحل الأزمة، وبعد الحرب التي وحدت اليمن في 7 يوليو 1994، تقدم الإبراهيمي باستقالة في ظل اتهامات له بالانحياز إلى جانب الرئيس علي عبدالله صالح.

جمال بن عمر

عينت الأمم المتحدة في أبريل 2011 الدبلوماسي المغربي البريطاني جمال بن عمر مبعوثاً دولياً لليمن ليقود الوساطة بين أطراف النزاع في عام 2011، ومن ثم المفاوضات للخروج باتفاق تقاسم للسلطة في 2015، إلا أن المجتمع الدولي اعتبره متساهلاً مع المتمردين الحوثيين، ما أفشل مهمته، ويضطر للاستقالة في إبريل 2015.

ولد الشيخ

مواصلة لجهودها، اختارت الأمم المتحدة الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، خلفاً لبنعمر، وتقلد منصبه من 25 إبريل 2015، وحرص خلال فترته على إعادة الشرعية اليمنية وحل الأزمة، إلا أنه قوبل بعدة عقبات وعراقيل جراء التمرد الحوثي، ما اضطره للاستقالة في 16 فبراير 2018م.

استوكهولم

وافق مجلس الأمن الدولي في 15 فبراير 2018 على تعيين البريطاني مارتن جريفيث مبعوثاً أممياً خاصاً إلى اليمن، خلفاً للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ويصبح مارتن بذلك ثالث وسيط أممي في الأزمة اليمنية الحالية، إذا أخذنا في عين الاعتبار علاقة الأمم المتحدة بالأزمات اليمنية المتتالية، وأبرز الملفات التي يعمل عليها جريفيث هو تنفيذ اتفاق استوكهولم.

- الاسترشاد بمبادئ الموافقة والحياد وعدم استخدام القوة

- الالتزام الحقيقي بالعملية السياسية بواسطة أطراف النزاع

- توحيد الهدف بداخل مجلس الأمن، مع توفير الدعم الفعال

- النظر إلى هذه البعثات على أنها مشروعة وموثوق بها

- التفويض الواضح والموثوق به والقابل للتحقيق

- عدم عرقلة عمليات الأمم المتحدة ومنحهم حرية التحرك

- الدعم الفاعل من البلدان المجاورة والجهات الفاعلة الإقليمية

- العوامل المطلوبة لنجاح المبعوث الأممي