البعض يدعي أن الرغبة في النجاة من الجدل، والخوف من المهاترات، والرغبة في السلامة، أمور تجعل الفرد أحيانا غير مستطيع أن يحرك قلمه، أو يفتح فاه بالخوض في القضايا الثقافية والاجتماعية والتعليمية والسلوكية، وغير ذلك من المظاهر الحياتية المختلفة، التي يعيشها مجتمعه.

دون أدنى شك، بعض المسائل تعالج بالاختصار، وبعضها لا يمكن أن يعالج إلا بمزيد من النقاشات الثنائية وربما النخبوية، وبعضها يحتاج إلى تهويل وتضخيم، وبعضها يحتاج إلى تبسيط وتهوين، والأكيد المجدي أن اللغة المباشرة أولى من التلميح، لأن ادعاء الخوف من ضمان تفسيرات جيدة من المتلقين عما سيكتب أو يقال، ادعاء في غير محله، خاصة في هذه المرحلة الذهبية التي انفتح فيها الكل على الكل.

بعض المترددين من الناس يسلي نفسه بالاستئناس بقول الحيوان: «قالت الضفدع قولاً * فسرته الحكماء.. في فمي ماء وهل * ينطق من في فيه ماء!؟»، وهو قول بغض النظر عن الحكم عليه، يلجأ إليه مضطرا من لا يحب وطنه أو قيادته أو أهله أو عشيرته الأقربين، فيكتم عنهم ما يكنه صدره، ويفضل أن يحبس نفسه في دوامة القول وعدم القول، مع أن الوطن لا يستحق من الصادقين والمخلصين إلا البوح بآرائهم وما تختلجه نفوسهم، والتخلي من الهاجس المتعب: «هل أقول فأرتاح، أم أصمت فأسلم».

شخصيا، أؤكد على أن أي واحد من الناس يستطيع، هنا أو هناك، أن يضمن بحسن نيته، وعدم تلميحه، حسن تفسير صراحته فيما يقول أو يكتب، كأن يطلب من غيره من أصحاب القرار أن تكون هناك مشاريع فكرية مصاحبة لمشاريع التسلية والمباحات، أو أن لا يتم تقييم أي فرد بناء على ماله أو نسبه أو طريقة تدينه أو غيرها من التقسيمات، أو أن لا يحاسب المرء بجريرة غيره، أو أن يُمكن الإنسان من أخذ نصيبه من التعلم والتعليم والصحة والعمل والمال والمنصب والفرصة دون ذلة، أو شفاعة، أو تباطؤ، أو أن تتم حمايته من المتسلطين عليه، أو أن لا يحاسب إلا باقتناع وبعدل، أو أن يُلزم صاحب السلطة قبل تبوئه لها بالبوح عن ثروته، وغير ذلك من طلبات منطقية يمكن أن تدور في مخيلات أي واحد من البشر، وواثق تماما أن الواحد منا لو كان فصيحا في طلباته هذه أو غيرها، سيتم توجيه الشكر له، ولا يمكن أن يتم التربص به أو ملاحقته، كما يدعي البعض، وسيأتيه جواب على طلبه، حتى لو تأخر قليلا.

لا معنى للخشية من تأجيل البعض لكلمة الحق، بحجة أن الظروف غير ملائمة، أو أن الأعداء سيكيدون لصاحبها كيدا، أو أن غدا ستهدأ الأمور وتنقشع الظلمة، أو أن على الإنسان أن يخشى على نفسه وأهله، أو أن «الصمت حكمة»، أو «اصمت تسلم»، أو الظن بأن الحكومة لا تحب أن تسمع إلا الذي يراه الناس بأعينهم، ويسمعونه بآذانهم، وهذه الأخيرة لا جواب عندي يبدد وهمها، ويردع المتشبث بها، أبلغ من قول راعي بلادنا، وولي أمرها، سيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه: «أبوابنا مفتوحة، وأذاننا مفتوحة، وهواتفنا مفتوحة، لمن له منكم رأي أو حاجة، فالله يحييه»، وفي الحديث الشريف: «لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ..»، فاستقامة الإيمان معلقة باستقامة القلب، واستقامة القلب معلقة هي الأخرى باستقامة اللسان، ودليل ذلك الصراحة، أما التلميح فحبله غالبا قصير.