مفاجأة، نقص في المعلومات، تصاعد الأحداث، فقدان السيطرة، حالة من الذعر، غياب الحلول الجذرية والسريعة، هذه هي سمات غالب الأزمات.

الاستعداد لما قد لا يحدث، والتعامل مع ما حدث، جملة تلخص فلسفة التعامل الأمثل مع الأزمة، أو بمعنى آخر جملة تلخص تعامل قيادة المملكة العربية السعودية مع أزمة فيروس كورونا المستجد (COVID-19).

وبحسبِ موقع جامعة الملك فيصل، فإن إدارة الأزمات والكوارث، تهدف إلى التحكم في أحداثٍ مفاجئة ومتفاقمة، والتعامل معها وتصنيفها ومواجهة آثارها ونتائجها، وهي إدارة تقوم على الدراسة والبحث، والمعرفة والتجارب المستفادة والتخطيط واستخدام المعلومات والبيانات كأساس للقرار السليم.

وتعمل إدارة الأزمات والكوارث من خلال التعامل الفوري مع الأحداث لوقف تصاعدها، والسيطرة عليها وتحجيمها وحرمانها من مقومات تعاظمها ومن أي روافد جديدة قد تكتسبها أثناء قوة اندفاعها، فالأزمة حدث مفاجئ يسبب ضغطاً لصانع القرار، ومن هنا يستلزم مواجهة هذا الحدث بوسائل وأساليب علمية، تساعد على معالجته قبل استفحاله.

الحكومة السعودية أثبتت بقيادتها وأجهزتها التنفيذية تفوقًا عالميا للسيطرة على وباء عالمي، وتفوقت على دول كبرى، والفضل -بعد الله- لسياسة الحزم التي أضحت سمة لعهد خادم الحرمين الشريفين -أيده الله-، وسمة لكل تحركات وقرارات ولي العهد الأمين «أمير الحلم السعودي» -حفظه الله-، وترجع كفاءة تعامل الحكومة مع هذه الأزمة إلى رجال مخلصين اجتهدوا في طلب العلم حسب تخصصاتهم المختلفة ليكونوا عونًا لوطنهم وذراعًا لولاة أمرهم في مثل هذه الأزمات التي نسأل الله العلي القدير برحمته رفعها عن البلاد والعباد.

التنبؤ بالمحتمل من الكوارث، والتدرب على مواجهتها -هي وحتى التي لا يحتمل وقوعها- مهم، ومن واجبات المعاقل المعرفية والعلمية كالجامعات مثلًا، وعليها دور ضخم تقوم به في عمل الدراسات وتحديث المعلومات، ووضع الخطط الاستباقية الوقائية، أو خطط المواجهة، وصناعة مراكز التنبؤ المتقدمة، ومع بلائنا الحسن في هذا الصدد، إلا إن الجهود ما زالت تحتاج مزيدًا من الاتساع والعمق معًا.

وهنا أشير إلى أهمية البحث العلمي، وإيجاد وزارة تهتم بشؤونه، وتخصيص موازنة استثمارية له بحجم صندوق سيادي، وهذا الأمر سيقينا من شرور كثيرة، وسيجعلنا في المقدمة سريعًا على مختلف الأصعدة.

(شيعة السعودية وطنيون ولا مزايدة عليهم)

يعتقد السني أن الشيعي كافر، وكفره أشهر من كفر إبليس كما يقول الألوسي (انظر: صب العذاب على من سب الأصحاب، محمد شكري الألوسي)، أو كما استظهر محماس الجلعود أن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف يمس أصل الإسلام.

ومن عقيدة الشيعي في السني أنه من أهل النار، وأنه كافر مخلد في النار أبدًا، (بحار الأنوار الجامعة لدرر الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسي)، أو كما نقل يوسف البحراني، قول بعض علماء الشيعة إن أهل السنة كفرة لإنكارهم ما علم من الدين بالضرورة وهي الإمامة، (الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب، يوسف البحراني).

يتضح من هذا النقل البسيط، والذي هو من طرف الكيس فقط لا عمقه، أن إمكانية التلاقي في سلم اجتماعي ووئام بين الطائفتين إن ترك لمشايخ الدين إنما هو وهم كبير، بل وسفه عظيم، حيث إن الطائفتين تزعمان أن الحق والإيمان معها، والباطل والكفر في الفئة الأخرى.

ولا يضبط مثل هذا الأمر إلا حزم الدولة، وهيبة السلطان، فالوطن بكل حقوقه وواجباته على الجميع وللجميع بغض النظر عن الدين والمذهب.

قدمت بهذه المقدمة السريعة لبيان أن نزع فتيل التوجس والتخوف بين الفريقين من واجب المجتمع الذي يحترم ذاته وتنوعه، ويحرص على أمنه وسلامة مقدراته، ويجب ألا ينجر وراء أصوات نشاز ناشزة ناعقة بكل نقيصة، تريد لمجتمعنا أن يغوص في أوحال الطائفية والتخوين، والتخوين المقابل، ولنا «كمجتمع» في تعامل الحكومة بالمساواة بين أبناء الوطن أسوة صدق وعدل.

الذهاب إلى إيران مُجَرَّم ولا جدال أو نقاش في ذلك، وهو مخالفة صريحة لأمر ولي الأمر، ولكن الرمي بالخيانة عظيم وليس من السهل وصم سعودي بها، ويجب ألا نشغل أنفسنا بذلك كمواطنين، ونترك هذا الأمر لأجهزة رئاسة أمن الدولة فهي الأقدر والأكفأ على كشفه ومعالجته بطريقتها الحكيمة التي كلنا نعرفها ونثق بها، وطالما أخرجت الوطن من مآزق عظام وبضربات استباقية أيضًا.

ولو تركنا المسألة على عواهنها لكلا الطائفتين، لكان أهل التشيع يرمون السنة بالداعشية وما لف لفها من منظمات وجماعات، كما يرمي أهل السنة الشيعة بالخيانة وممالأة النظام الإيراني، والخاسر هنا الوطن والمجتمع والأجيال القادمة التي تنتظر منا تسليمها راية التقدم والتحضر خالية من أي شوائب لعنصرية أو عصبية دينية أو غيرها.

ولا يمكن بحال من الأحوال تصديق تعمد نقل الوباء من قبل سعودي شريف من أهلنا في القطيف، لكونه شيعيًا فقط، خيانة لنفسه ووطنه، فللشيعة السعوديين صحائف بيضاء لا تنسى منذ دخول الملك المؤسس العظيم -طيب الله ثراه- الأحساء، وحتى اليوم.

وأشير إلى أن جل من ذهب إلى إيران من السعوديين الشيعة، ما هم إلا عجائز أو لا يدركون السياسة ودهاليزها، ولا خطورة العدو، فقط كان كل همه التعبد على طريقته التي نشأ عليها، وهذا ليس تبريرًا لجريرة الذهاب إلى العدو الإيراني، فهي لا تبرر، ومع ذلك، فالدولة التي تحب أبناءها سمحت لمن أفصح عن ذهابه بالمسامحة، واعتبار الأمر غلطة وكأنها لم تحدث، وتكفلت بفحصه وعلاجه، كما هو ديدنها مع أبنائها، ولم تلجأ إلى الحكم عليه بالخيانة، حتى على ذلك الذي لم يفصح عن ذهابه.

يجب أن نفهم، وأن نؤمن، أن كل الثراء والخير في التنوع في جهات المملكة، وأننا باستغلال هذا التنوع وتحويله إلى ميزة، سيجعلنا ننافس أعظم أمم الأرض، ونقدم دليلًا على أننا شعب ودود يحب ذاته ويرحب بغيره ويقبل التنوع، سلفية كنا أو صوفية أو شيعة أو إسماعلية، فكلها مكونات وطن، وكلها تلتف بالعلم الأخضر واضعة الشهادتين على رأسها، والسيف بيدها للوطن وعلى أعداء الوطن في ظل قيادته الرشيدة.

وأخيرًا، أجمل عمل إنساني تقوم به اليوم هو: ‏نشر الطمأنينة في ساعات القلق.