إذا كان وباء فيروس كورونا يغذي أي اتجاهات سياسية، فإن هذه الأزمة تمثل آخر مسمار في نعش السياسات الشعبوية في أوروبا، بالتأكيد يجادل البعض في مواجهة طاعون عشوائي تماما وغير متوقع وهائل، لا يمكن إلقاء اللوم على سبيل المثال، على المصرفيين الجشعين والمقرضين عديمي الضمير في الأزمة المالية العالمية، أو إرهابيين من 11 سبتمبر، كما اعتاد الشعبويون توزيع الاتهامات، بل يجب أن ينتقل الأمر إلى الحقيقة والعلم والحكومة بقيادة الخبراء. تقول صحيفة Guardian البريطانية، إن الزعماء الشعبويين يبدو أنهم فقدوا صوتهم في الوقت الحالي، وإن محاولات إلقاء اللوم على المهاجرين والحدود التي يسهل اختراقها وقوى العولمة في فيروس كورونا لن يجد إلا القليل من النجاح، حيث جعل الخوف والانتباه - على الأقل للحظات - المواطنين أقل ميلا إلى استجواب الحكومات السائدة والتوجه إلى بائعي زيت الثعبان الشعبوي.

استجابة الصين

لم يكن أحد يتوقع أن يشكك العديد من المواطنين الصينيين في استجابة حكومتهم القوية لفيروس كورونا، لكن المواقف الإيطالية، حتى الآن، تزيد من الشعور بانحطاط الشعبوية - على الأرجح - إذا كان بالإمكان الاعتماد على إيطاليا للاستماع إلى أوامر الحكومة التي تم اعتبارها قبل أسابيع قليلة على أنها عرضية ومؤقتة، فربما يكون الأمر قد انقلب على زعيم حزب ليجا الشعبوي ماتيو سالفيني. تضيف الصحيفة، أن هناك شيئا رائعا فيما يتعلق بصبر إيطاليا في مواجهة هذه الصدمة، لكن هناك بعض المحاذير أولها، أن إيطاليا كانت دائما مقاومة للصدمات، وأن الإرهاب، والهجرة، والفساد، والأزمة المالية، والزلازل المنتظمة والمدمرة لم يركعوها.

سطوة الشعبوية

هذه الصفات في دليل اليوم - كما هو الحال دائما - لكنها لم تكن كافية في الماضي لدرء الشعبوية، وهي قوة يمكن إعادة إشعالها بسكتة دماغية في أوقات مضطربة، فكّر بالفعل في رد الفعل، على التصريحات التي أدلت بها رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد والتي أشارت إلى أن إيطاليا يجب أن تتعامل بمفردها. تحذير آخر في الأيام الأولى لكل أمة، يجب أن يكون هناك منعطف كبير ضد السياسة الشعبوية، لكن هناك مخاوف، الأول، هو أن الكثير يعتمد على ما إذا كان يُنظر إلى الإجراءات القاسية التي تم اتخاذها في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وأماكن أخرى في أوروبا على أنها تحدث فرقا كبيرا.

حزب ليجا

ترى الصحيفة أن حزب ليجا الشعبوي يعاني من نزيف في الدعم، ولكن هذا الدعم يتدفق بشكل أساسي إلى حزب اليمين المتطرف "إخوان إيطاليا"، ولكن النقطة الأساسية أن مثل هذه الأزمات لا تظهر بالضرورة السياسة الشعبوية على احتيالها كما هي، إذ يمكن تسليح الخلافات العلمية الحقيقية كنظريات مؤامرة، والفشل يستخدم لتبرير التدابير والمواقف الاستبدادية على نحو متزايد. الافتراض الذي نميل إلى تقديمه هو أنه إذا كانت هذه الصدمة تشجع الناس على الابتعاد عن الشعبوية، فإنها ستشير إلى عودة الحكومات إلى أواخر القرن العشرين، لكن هذا يسيء فهم الطريق الذي سلكناه جميعا خلال العقود القليلة الماضية.

القضاء على الشعبوية

تقول المحللة كاثرين فيشي في الصحيفة، إن القلق الآخر والأكثر أهمية: أننا ما زلنا نعتقد أن بإمكاننا "العودة" ولكن هذه المياه قد أغلقت خلفنا... نحن بحاجة إلى الانتقال إلى شيء جديد يربط الخبرة والمعرفة والمعلومات... قادنا مزيج من التكنولوجيا الرقمية والسياسة الشعبوية إلى عصر ما أسميه الشعبوية.

تشير الصحيفة إلى حاجة أوروبا بشكل عاجل إلى إعادة تأكيد الحقيقة والعلم والعقل، لأن كيفية الحصول على هذه الخبرة وضمان الشرعية لها ستكون تحديا أساسيا، في ظل السياسات الشعبوية، لافتة إلى أن ما يخلص في نهاية المطاف من الشعبوية في عصر الوباء هو قدرة التعدديين والديمقراطيين الحقيقيين على استعادة الثقة في الحقائق الموضوعية والخبرة بطرق مفيدة للجمهور.

استخدام التكنولوجيا

كما يجب على الحكومات أن تثبت أنها تستطيع استخدام التكنولوجيا الرقمية ودعمها بالمعلومات والخبرات المشتركة من أجل الصالح العام وبأقصى قدر من المرونة، هذا هو الوقت المناسب لكي تصبح منفتحا حقا وتقاوم التعثر في الاتصالات.

ما لم تدرك الحكومات الأوروبية الحاجة إلى الشفافية فيما يتعلق بصنع القرار، ما لم تنفتح على بناء الإجماع والموافقة، فإن الأزمة التي نحن فيها ستتغلب عليها، لأن الاتهامات الشعبوية بعدم الكفاءة والتلاعب سوف تكون صحيحة للبعض مرة أخرى، لأن الكثيرين سيعانون خسائر فادحة.

اختتمت الصحيفة أن أزمة فيروس كورونا تعد اختبارا للسياسة التقدمية - اختبارا للتضامن، ولكنها أيضا تعد اختبارا للشفافية، إنها فرصة لإظهار أن تكنوقراطية جديدة منتشرة يمكن أن تكون في صالح الصالح العام، إنها فرصة لإظهار وتنمية الثقة في الحكومة، الثقة في المواطن هذا ما سينقذنا من فيروس كورونا وفيروس الشعبوية.

للقضاء على فيروس الشعبوية:

- الشفافية الأوروبية في صنع القرار أثناء الأزمات

- استخدام التكنوقراطية الجديدة للصالح العام

- إظهار وتنمية الثقة في الحكومة والمواطن

- تجنب الاتهامات الشعبوية بعدم الكفاءة والتلاعب