لم نتعود أن نجد طالبا أو طالبة في الصف الأول أو الثاني الابتدائي مثلاً يتابع دروسه بشغف وهو في منزله وأمام شاشة جوال أو كمبيوتر محمول أو تلفاز، ويمسك في يده قلم الرصاص وأمامه كتاب يقرأ منه ودفتر يكتب فيه بعض الكلمات ويستمع إلى معلم أو معلمة عن بُعد، وربما أننا لم نتوقع حدوث ذلك في الوقت الحالي على أقل تقدير، على الرغم من أن توقعات التعليم في المستقبل توحي بوجود مثل هذه التوجهات, وقد يكون هناك تجارب حالية في بعض دول العالم. وحقيقة لم نتعود ذلك لطلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة إلا في تجارب قليلة وباجتهادات هنا وهناك، أما في المرحلة الثانوية فهناك بوابة المستقبل التي تنتهج التعليم عن بعد ويتواصل الطالب مع معلمه في أداء الفروض وكذلك نقاشات عامة عن محتويات الدروس وتستفيد من هذه الخدمة أعداد كبيرة من المدارس على مستوى المملكة.

ولكن ماذا حدث ولماذا؟ وكم احتجنا من الوقت لنتأقلم مع هذا الوضع الجديد في بيوتنا ومع أبنائنا؟

والإجابة على هذه التساؤلات سهلة وواضحة، فالتعليم ركيزة أساسية لكل دولة ومعيار حقيقي لتقدمها وواجب وطني لا يمكن تجنبه أو تحييده وتأجيله، وفي وطني العظيم هناك قيادة عظيمة تولي التعليم جل اهتمامها وتدعمه ماديا ومعنويا وتحرص عليه ليصل إلى كل بيت ويستفيد منه كل مواطن صغيرا كان أم كبيرا.

أما ما دعا ذلك الطالب وغيره من الطلاب والطالبات في وطني لمتابعة دروسهم من منازلهم هو الوضع الاستثنائي الحالي الذي يمر به العالم من تفشي لجائحة كورونا وانتشارها السريع، وما اتخذته القيادة الرشيدة من احترازات وقائية للحد من انتشاره، وأصدرت كافة القرارات الكفيلة باحتواء هذه الأزمة وضمان انحسارها وتضييق تأثيرها، والتي كان منها تعليق الدراسة في التعليم العالي والتعليم العام، ثم ما أوجدته وزارة التعليم من بدائل وخيارات تمكّن الطلاب والطالبات من متابعة دروسهم وهم في منازلهم وفي أوقات مرنة وحسب التوزيع المعتمد للمناهج وفق الأسابيع الدراسية، وقد وضعت وزارة التعليم خيارات تعتمد على تطبيق المدرسة الافتراضية وخصصت (20) قناة تعليمية تحت مسمى (عين دروس) لجميع الصفوف الدراسية وتُبث على مدار الساعة، وتقدم فيها دروسا مباشرة وشروحات متقنة للمواد الدراسية يقدمها معلمون ومعلمات من جميع التخصصات، كما أطلقت منظومة التعليم الموحدة التي تدعم جميع المراحل والمسارات التعليمية. وما يدعو للتفاؤل والارتياح هو ما نشاهده ونلمسه من حراك مجتمعي ودعم أسري للأبناء في المنازل وتشجيعهم على الاستفادة من جميع المصادر المعتمدة لضمان استمرار العملية التعليمية ولتجهيز أبناء هذا الوطن لقيادة مستقبله.

وهذا كله يقودنا لتسريع التوقعات بمزيد من الاستفادة من هذه التجربة والتوجه للتعليم عن بعد وجعله إحدى القنوات التعليمية المعتمدة لمنح الشهادات والانتقال من مرحلة لأخرى متى ما تم وضع السياسات واللوائح المنظمة لذلك وتم تهيئة الكفاءات القادرة على إدارته بالشكل المطلوب، وتجهيز البنى التحتية التي تخدم نجاحه وتحقيقه لأهداف التعليم بشكل عام، علاوة على الإيمان بما يقدمه من كفاءة في الإنفاق وتقليل من الهدر المالي.

وما يتوجب علينا عمله فعليا في الوقت الحالي تهيئة كافة الظروف لنجاح هذه التجربة والمتابعة الجادة لأبنائنا وبناتنا، والعمل على الاستثمار الأمثل لجميع الممكنات التي هيأتها الدولة ـ حفظها الله ـ في مجال التعليم وحرصت عليها وزارة التعليم وبذلت من أجل وجودها على الواقع جهودا استثنائية وفي وقت وجيز.