مرة أخرى سيكون موضوعي عن الفيروس التاجي «coronavirus»، وقد يكون بالنسبة للقارئ المرة بعد مئة الألف التي يقرأ عن هذا الموضوع خلال الأسابيع القليلة الماضية!.

وقد يقول أحدكم ألا يمكن أن تكتبي لنا في أي شيء آخر؟!.

نعم أستطيع، ولكن يبدو أن الأمر بات صعبا، حيث إنه أصبح يحاصرنا من كل جهة، فأينما وجهنا تركيزنا وجدنا أنه يطلّ علينا برأسه التاجي لينكد علينا ويشوش تركيزنا، إن دخلنا إلى وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي وجدنا أن من لم يركب الموجة قد غير رأيه وبدأ في الإبحار، لنترك الذين يحاولون أن يبثوا نشرات توعوية في كيفية الوقاية، وبطرقهم الخاصة، لكن تبقى الرسالة واحدة ولا جديد، ولنركز هنا على من يبثون الرعب كأن لدينا مساحة إضافية للمخاوف والقلق حتى نقوم بتعبئتها بما يفيضون به علينا من معلومات، إن لم تكن غالبيتها مغلوطة فهي تدور حول رسم المؤامرات الجهنمية من هذه الجهة أو تلك! ومع ذلك كله نجد أن مشاعرنا تصعد وتنخفض وتجرنا من الهدوء إلى حد الهستيريا، ومن ثم تعود بنا إلى قواعدنا غير سالمين!.

نعم رأينا الهستيريا التي أصابت العالم الغربي، من هجوم على مخازن التغذية والأدوات الصحية والكمالية، ونستدير عندنا فنجد أن الأمور منضبطة إلى حد كبير، ولله الحمد، نعم يجب أن نكون عمليين ونخزن بعض الضروريات للطوارئ، ولكن هذا لا يعني أن نغزو المتاجر ونخليها من كل شيء! كيف سنتجاوز المحنة؟ كيف نسيطر على الوضع؟ أصبح هاجس الجميع!

ما نستطيع السيطرة عليه هو أسرتنا واحتياجاتها، وقبل ذلك الالتزام بالتعليمات واتباع الإجراءات والإصغاء فقط إلى الجهات الرسمية لا لغيرها، فلا نصغي إلى أحد مهما وضع قبل اسمه من ألقاب علمية مثل متخصص وطبيب وعالم ومحلل! ثم محاولة التّحلي بهدوء الأعصاب حتى لا يشوش على تفكيرنا أي شيء، والذي سوف يجعلنا نشعر حقا بشكل أفضل هو الإيمان بالله، واليقين التام بأنه -سبحانه وتعالى- يدير كل شيء، وإن كان ما زال لدى البعض أي شك فما يحدث أمامنا قد بدا واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار لكل ذي عقل يفكر في ملكوت الله، سبحانه وتعالى، نستطيع أن نتخذ بعض الاحتياطات والباقي بين يديه ورهن مشيئته.

لا أحد يريد أن يصاب بالفيروس أو أن يصاب به بعض أعزائه أو معارفه، ولكنه أمر قد يحدث، فالحياة مخاطرة قبل الفيروس وبعده؟ قيادتك السيارة في الشارع أو ركوبها رغم كل الاحترازات التي قد تقوم بها، لا تضمن سلوكيات وتهور من حولك، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الأمور الحياتية كالطعام من خارج المنزل، من يضمن لنا سلامته من البكتيريا والجراثيم وإن كان من أفخم المطاعم والفنادق؟ حتى الحوادث المنزلية من تماس كهربائي إلى تسرب للغاز، الأمر الذي يضمن لنا راحة البال هنا هو أن نعقلها ونتوكل، يعني الجوارح تعمل والقلوب تتوكل.

ليس لدينا خيار حقا، والثقة أو عدم الثقة هي المفتاح، أن نتقبل أن الأمر بيده -سبحانه- أو أن نعيش تحت تأثير صوت القلق والخوف والرعب حتى يصل بنا الأمر إلى التجمد أو الاستسلام للهستيريا!

لقد عشنا حياتنا ونحن نفتح أعيننا كل صباح على ألف نعمة من الله -سبحانه- ولكننا نتقاعس عن حمده وشكره، لنفكر قليلا أحيانا أقرب الناس إليك والذين تقدم لهم كثيرا يوميا، لا يقدمون لك كلمة شكر واحدة، لأن ما تقدمه أصبح تحصيل حاصل أو من الأمور الطبيعية لمسيرة الحياة! ألم تفكر أحيانا وأنت إنسان أن ما تقدمه لا يساوي مثقال ذرة مما يقدمه الخالق للمخلوق، ألم تفكر بأن تتراجع وتبتعد أو تمتنع ولو لفترة بسيطة لربما يقدرون ما تقدمه لهم؟ حين تكون علاقتك مع من حولك مبنية على الثقة والتفاهم ويتأخرون عنك تجد لهم ألف عذر، بل قد يصيبك الهلع وتبدأ بالاتصال والبحث عنهم، وإن لم تكن مبنية على الثقة والتفاهم، فحين يتأخرون تبدأ الأفكار السوداوية تهاجمك وتبدأ بتلفيق التهم! حين تكون علاقتك برب العالمين مبنية على الإيمان والثقة التامة بأن كل ما يقدره لك هو في مصلحتك، فمهما يمر عليك تنظر إليه بإيجابية وتبحث عما يريده الخالق منك وما الرسالة التي يريد -سبحانه- أن تصل إليك، الخلاصة هي أنه حينما تؤمن بأنك بين يدي رب كريم، رحمن رحيم بيده الخير كله، أفلا يشعرك ذلك بالطمأنينة، ألا تشكره وتحمده وتسأله أن يرفع هذا البلاء عن البشرية وأنت موقِن بالإجابة؟

نتمنى ونسأل المولى أن يجد الأطباء لقاحا يصل إلى البشرية جمعاء وفي أقرب وقت، وأن يكون في متناول الجميع وليس حكرا على شريحة دون أخرى، ولكن الدواء الحقيقي في هذا الوقت وفي كل وقت، والذي سوف يساعدنا على الاستمرار في الحياة والحفاظ على هدوئنا وتركيزنا، هو عندما نعترف لأنفسنا قبل غيرنا بأن قيّوم السماوات والأرض هو من يدير الحياة، وتنتقل هذه المعلومة من الفكر أو اللسان إلى أعماق القلب، عندها فقط سوف نجد أن هذا الاعتراف هو أفضل دواء متاح، بل هو أفضل سلاح لمواجهة المحنة الحالية وكل ما يستجد في المستقبل من محن، قال الله تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ» الآية 186 من سورة البقرة، اللهم ارحم واغفر وتجاوز وارفع هذه الغمة عن العالمين اللهم آمين.