ضربت المملكة العربية السعودية أروع الأمثلة في طريقة تعاملها مع مواطنيها والمقيمين على أرضها خلال تصديها لأزمة كورونا التي تشغل العالم أجمع هذه الأيام، وذلك من واقع الأسلوب الحضاري الذي اختارته للتعاطي مع المستجدات بحسب تطورات الوضع، وتناغم ذلك الأسلوب مع حقوق الإنسان بمفهومها الأشمل والأكمل، بعيدا عن الشعارات الزائفة التي يرفعها البعض. وهو ما استحق الإشادة الكبيرة التي لقيتها المملكة من العديد من المؤسسات الصحية العالمية، وأسهم كذلك في تجاوب منقطع النظير يبديه المواطن والمقيم في الاستجابة الفورية للتوجيهات والتعامل الإيجابي مع الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها.​

قبل ظهور هذا المرض في المملكة فإن الجهات المختصة على اختلاف مستوياتها بدأت حملة توعوية شاملة، وأنشأت خلية أزمة قامت بتمليك الجميع كافة المعلومات الضرورية، وأمدتهم بالإرشادات الضرورية التي تضمن سلامتهم. كما اهتمت بتوفير كافة الاحتياجات الطبية والدوائية التي ربما يتطلبها الوضع، وأوضحت أن كافة المؤسسات الطبية مفتوحة لعلاج المصابين، صغارهم وكبارهم، وليس كما فعل بعض الدول التي تتشدق بالديمقراطية وهي ترفض علاج كبار السن بدعوى عدم قدرتهم على الإنتاج، في تصرف يفتقر إلى الوفاء ويفتقر إلى الإنسانية، ويتعامل مع الإنسان على أنه مجرد آلة تفقد صلاحيتها بمرور الزمن، دون تقدير لعطائه في السابق.​

وعند بداية ظهور المرض في المملكة عبر بعض من زاروا إيران سرا دون وضع أختام الدخول والخروج على جوازات سفرهم، بادرت السلطات المختصة بإعلان عفو عن كافة من ارتكب ذلك الفعل المحظور، ودعتهم لإبلاغ الجهات المختصة، رغبة في ضمان سلامتهم، ولم تهتم بمعاقبتهم، وهو إجراء يحمل في ظاهره وباطنه كافة معاني الرحمة والعناية وتقديم مصلحة المواطن على ما سواها، حتى ولو كانوا مخالفين للأنظمة.​

كذلك اختارت المملكة أسلوب الشفافية والوضوح ومصارحة مواطنيها والعالم أجمع بكافة الحقائق، دون طمس أو إخفاء، إيمانا بأن ذلك يمثل خط الدفاع الأول عن المجتمع، وأن مشاركة الآخرين المعلومة المجردة يسهم بصورة فعالة في إيجاد العلاج والتوصل إلى الحلول. ولا يخفى على الجميع أن الحق في الحصول على المعلومة يمثل أولى حقوق الإنسان نظرا لما يشهده العالم من ثورة معلومات، وهو ما طبقته السلطات بمنتهى الشفافية، بل إن المملكة تجاوزت ذلك بمراحل وهي تتبرع لمنظمة الصحة العالمية بمبلغ 10 ملايين دولار للإسهام في توفير المعينات الدوائية، للدول التي بحاجة للمساعدة، إضافة إلى إسهامها مع الجهات الساعية لتوفير علاج ناجع للمرض.​

ثم كانت الخطوات التاريخية التي اتخذتها المملكة بتعليق العمرة وزيارة الحرمين الشريفين وانتهاء بتعليق الصلاة في المساجد، بناء على فتوى هيئة كبار العلماء، وهو فهم متقدم يقدم مصالح الأمة ويطبق القاعدة الفقهية الشهيرة «درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح»، ولم تقف الخطوات السعودية عند ذلك الحد، بل منحت موظفي الأجهزة الحكومية إجازة مدفوعة الراتب، وأوعزت للقطاع الخاص باتخاذ الإجراء نفسه، مع تعويضه عبر إجراءات عديدة عن الأضرار والخسائر التي قد تلحق به، ومنعت في الوقت ذاته كافة التجمعات والفعاليات التي تزيد من خطر الإصابة بالفيروس.​

إذا نظرنا للعديد من دول العالم، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، نجد أن كثيرا من الدول - في إطار سعيها لمحاصرة الفيروس وتحجيم آثاره - لجأت إلى اتخاذ إجراءات مشددة بحق مواطنيها، وصلت حد معاقبة من يجرؤ على الخروج من منزله أو نشر الجيوش في الشوارع، بعد إعلان حظر التجول، وربما كانت تلك الإجراءات ضرورية من وجهة نظر تلك الحكومات للقضاء على المرض، لكن المملكة اختارت أسلوبا أكثر رقيا وسلاسة، وهي تلجأ للتوعية دون الإكراه، وتعمل على تقليل المخاطر، وتراهن على وعي شعبها وتحضره، وهو ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - في كلمته التاريخية، التي اختار فيها أسلوب المكاشفة والمصارحة، دون اللجوء إلى التعتيم كما يفعل البعض، ووضع الحقائق كاملة أمام شعبه، معلنا ثقته في قدرة المملكة على تجاوز هذه المرحلة، بحكمة قيادتها ووعي شعبها وقوة عزيمته. وكم كان رائعا والجميع يستمع إلى كلمة قائد الأمة وهو يعلن بوضوح أن الإنسان هو محور الاهتمام، وأن المواطن هو أغلى ما تملكه الدولة، وهي الكلمات التي بثت الثقة وأشاعت الطمأنينة وسط الجميع.​

أما طريقة تعامل المملكة مع مواطنيها الذين كانوا بالخارج فهو يعكس أبلغ صور العناية بالمواطنين والمسارعة إلى مساعدتهم والوقوف بجانبهم، حيث تحركت الطائرات السعودية بتوجيه القيادة الرشيدة إلى معظم دول العالم في عمليات إجلاء واسعة. أما من حالت ظروفهم دون العودة في الآجال المسموحة وفق الإجراءات الصحية المرعية عالميا، فقد تم استقبالهم وضمان إعاشتهم في فنادق فاخرة من ذوات الخمس والسبع نجوم في عواصم الدول التي يوجدون فيها، وتحولت سفارات خادم الحرمين الشريفين في تلك الدول إلى خلايا تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة، وتفرغت تماما لتلقي اتصالات السعوديين والتنسيق معهم حول أوضاعهم الصحية والترتيب لاستضافتهم وتنظيم أمورهم.​

هكذا جسدت المملكة حقوق الإنسان إلى واقع عملي، عكسته طريقة تعاملها الراقي مع مواطنيها والمقيمين على أرضها الطاهرة، وهي تتخذ من الإجراءات والقرارات ما يضمن سلامتهم، ويحفظ حقوقهم ويصون دماءهم، وتقدم الغالي والنفيس لخدمتهم، ولا غرابة في اهتمام هذه البلاد بمبادئ حقوق الإنسان وتطبيقها بصورة صحيحة، فهي أرض الحرمين الشريفين ومهبط الوحي، ومنبع الرسالة الإسلامية، التي قامت أصلا على هدي الشرع الحنيف، وتأسست على مبادئ الإسلام، الذي ما جاء إلا رحمة للإنسانية وخيرا لها.