يقول مثلٌ فارسيّ «في بيت النملة تصبح قطرة الماء طوفاناً». ينطبق هذا المثل على بعضٍ من الدول، في أعقاب اجتياح فيروس كورونا أرجاء العالم.

أزاحت الأزمة بعضاً من الوهم والضبابية اللذين يحيطان بدولٍ كُنا نحسب أنها في نطاق العالم الأول. وأسقطت أخرى ما دون قائمة العالم الثالث إلى أدنى من ذلك.

إيطاليا منارة المرح الأوروبي والتسلية، والأزياء، والموضة، والغذاء، والعاطفة، سقطت في فخ الفيروس. تحطمت البنية التحتية الطبية، وارتفع عدد القتلى بشكل كبير. بحسب تقرير نشرته شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، فقد سلكت الدولة الرومانسية مسلكاً أقرب إلى حالة الحرب. التمييز بين إنسانٍ وآخر من أجل الحصول على سريرٍ في العناية الفائقة، هو العامل الأساس في منح الحق لمن يحيى، ومن يموت.!

المملكة المتحدة كان لها أيضاً ما يُثبت تخليها عن مواطنيها في الخارج.. قالت السفارة البريطانية في الكويت مخاطبةً مواطنيها «إذا كنت عالقا في الكويت وليس لديك ما يكفي من المال اطلب المساعدة من الأصدقاء، العائلة، المؤسسات الخيرية».!.

وما دام الحديث يدور حول هذا الصدد، فلا يمكن تغافل إيران التي سقطت في وحل كذبها، من خلال تضليل الرأي العام محلياً ودولياً. أخفت الحقائق – وهذا ديدنها بانتهاج الكذب -. عملت على توظيف انتشار الفيروس «سياسياً» للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تخفيف العقوبات «المخففة في الإساس». تاجرت بأرواح مواطنيها. تساقط الإيرانيون في الأزقة والشوارع. أصيب بعض السياسيين والبرلمانيين. لم تُعرهم طهران أدنى اعتبار. الإنسان في منهج وإيديولوجية تلك الدولة المارقة آخر ما يمكن التفكير به. القيمة البشرية في إيران لا تدنوها قيمة. والنعش الإيراني أرخص مما يكون. في العقيدة «الخمينية» يموت شخص من أجل أن يعيش آخر. هذا نهج وليس حالة طارئة، وشعارٌ من شعارات ولاية الفقيه، الهدف منه بالدرجة الأولى تمرير ثقافة الموت على حساب الحياة.

في المملكة العربية السعودية – وإن كنت لا أُحبذ المقارنات – قررت الحكومة منع الوصول إلى الحرمين الشريفين بالدرجة الأولى. في ذلك حكمة ومسؤولية باعتبارها حاميتهما. وفي ذلك أيضاً استدراك لما حدث في دولتين يفد إليهما ملايين البشر من العالم بقصدٍ ديني. إيطاليا، وإيران. قررت الرياض وقف فريضة العمرة والزيارة. المنع لم يكُن للمنع، بقدر ما هو للسلامة. للجميع أن يتخيل لو لم تتخذ المملكة هذا الإجراء، كم ستكون حصيلة المصابين بآفة هذا الفيروس.؟.

غلّبت الحكومة السعودية الحكمة والحنكة على حساب تحمل ما يمكن أن يوجه لها من سهام. – السهام كانت مسلولة وجاهزة من المأجورين خصوصاً لتنظيم الحمدين -. والحملات المُمنهجة مدفوعة الثمن بـ«الريال القطري» كانت تنتظر الإشارة. مضت المملكة في قرارها دون النظر لجعجعةٍ هنا أو هناك.

خرج الملك سلمان مخاطباً الأمة. قال مقيماً كنت أو مواطن، أنت على أرض المملكة ابنٌ لهذه البلاد المباركة وهذا الوطن العظيم. الجميع سواسية. والجميع من حقه الحصول على كل شيء. الحكومة وعلى رأسها الملك تعمل من أجل راحة المقيم أولاً، والمواطن ثانياً.

حمل خطاب الملك رسائل عدة. أهمها التفاؤل ورباطة الجأش والقوة. قال «إنها مرحلة ستمر وتمضي على الرغم من قسوتها ومرارتها وصعوبتها». في حديث خادم الحرمين حثٌ على الصبر، والقوة، وعدم الاستسلام.

بالمُحصلة ومن حيث لا نعلم، فقد أسهم انتشار فايروس كورونا بإعادة تموضع دولٍ بعينها على خارطة العالم. اتضح من يضع الإنسان في أول سُلّم اهتماماته، ومن يضعه في آخره. ما بين إعلان انهزام حكومات عتية أمام هذه الآفة في دولٍ عدة في القارة العجوز المُتغنيّة والمتشدقة بحقوق الإنسان، أثبتت المملكة على الجانب الآخر أنها حمت مواطنيها في الداخل والخارج، وستمضي في حماية وصون أرواح البشر بكل ما تملك. هي غُمّة ستنجلي وتصبح من الماضي. سيُدون التاريخ مالك وما عليك، ومن اهتم بالإنسان ومن استرخصه. حينها ستسقط الشعارات وتبقى الحقيقة، حين يكون لا شيء يعدل الحقيقة.

«وخزة في الفراق والرحيل»

فقدت أنا وأسرتي الأسبوع الفائت أختاً نبيلة، وسيدة عظيمة. لم تنم أعيُننا، ولم نستشعر الراحة بعد رحيلها وغيابها. شخصياً وهي - رحمها الله - صاحبةُ فضل كبير على شخصي الصغير التافه أمام علوها ورفعتها، استشعر فقدان كثير من الوقار، والرأي الراجح، والهدوء، والسلام. لا تُشبهُ بنات جنسها من السيدات. إن سكتت، في صمتها كثيرٌ من المعاني الرصينة. وإن تحدثت ففي حديثها حكمة. تُظلم وتَصفَح ولا تُبالي. لا تُجيد المُهاترات، ولا المناظرات، ولا هرطقات السيدات «الثرثارات». ضحكها موزون. حديثها موزون. حضورها، وحتى غيابُها موزون. تركتنا خلفها بعد أن أعياها الوجع والمرض. صغارٌ نحن مقابل قامتك وشخصيتك الخالدة في أرواحنا. لا تكفيك سطور. لكِ في النفس أكبر من النفس. لن نخذلك، ولن ننساك. جميعنا لن ننساك. رحمك الله أم تركي. إلى جنات الخُلد يا جوزاء.