أسبوع من الزمان.. وضعته ظروف إصابتي بفيروس كورونا على طاولة الوقت المنصوبة وسط غرفة حَجْري الصحي..

وهن جسدي وذلك الصداع الذي يدق بمطارقه المؤلمة كل موضع من رأسي.. وسهام الوجع المصوبة نحو حلقي ورئتاي التي تحاول أن تفتح مجرى تنفسي بسعال نقل إليها الأكسجين وكأنه محملا بشظايا زجاج يجرح مسلك تنفسي..

كل هذا جعلني أتناول أيام أسبوعي الأول بلا شهية تذكر داخل غرفتي التي أحكمت ذراعيها حول حريتي حتى كادت أن تخنقني بوحدتي وألمي..

فيروس كوفيد 19 زائر ثقيل عنيد يعرف أنه غير مرحب به ومع ذلك يطيل المكوث وكأنه في مصيف يستمتع فيه بجو أجسادنا الساخنة..

مفاوضات السلام الدائرة بين الفيروس وبين جهازي المناعي خففت من حدة هجمات الوجع على جسدي المنهك.. لذلك كان علي جمع فتات الملل البائت الذي تراكم على سفرة أسبوعي الثقيل لألقيها في حاوية الماضي وأبدأ أسبوعاً جديداً بمائدة عامرة بوجباتها الغنية بكل ما يغذي الروح بفائدة مشبعة تسد رمق الوقت، مع مسليات شهية تدغدغ خواصر الملل كي يضحك شعوري وتبتهج نفسي وتنكسر جدية ملامح عزلتي فتقوى مناعتي ومن ثم أدخل معها في تحالف ضد هذا الفيروس البغيض.

قلبت في صفحات فلسفة سعادتي المحفوظة في خزنة إيماني وقناعاتي لأختار منها وصفات أكسب بها ود عزلتي.. فقررت أن أبدأ بالهدوء كمقبلات تفتح شهيتي لما بعدها من وجبات روحية أكرم بها أيامي القادمة.. تناولت الهدوء ببطء استطعمت معه لذة السكينة والتأمل فيما فات من حياتي، تعمقت في داخل نفسي فهالني ما وجدت من تصدعات أحدثتها عوامل التعرية الزمنية ومتغيرات الظروف.. فكان لابد لي أن أعجل بترميم تلك الشروخ باستحضار إنجازاتي خلال ما مضى من عمر..! قارنت هذه بتلك فوجدت أن ما وهبني الله من خير يكفي ويفيض لو أحسنت ترميم تصدعات نفسي به لأحقق رضا أكبر عن ذاتي وأستمر في طريق وصولي لما أرغب أن أكون..

وجبتي الرئيسة كانت لذيذة بتأملي لنعم الله المحيطة بي والتي لا تعد ولا تحصى نعم عامة أهمها أني أعيش في وطن آمن على أرضه ولدت ووسط حضنه كبرت وتعلمت ونجحت.. وطن كفل لي كرامة العيش وكفاني بعد الله شر الخوف والجوع والعوز، هذا الوطن جعله الله الطريق الآمن الذي من خلاله منحني نعما خاصة ما كانت لتكون لولا فضل الله ثم كوني ابنة هذه الأرض الخيرة.. على مائدة هذا الأسبوع العامرة حليت عزلتي بـ -الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه- فكانت بلذة العسل المصفى مع إصرار كامل على ألا أسمح لظروف أن تهزمني ولا لبشر بأمر الله أن يكسرني.. مع عهد اتخذته على نفسي بألا يشغلني شيء عن تطوير ذاتي والمضي قدما في تحقيق ما ركنته السنين من أحلامي.. وأن أكون ابنة بارة لوطني وأهلي.. وأماً يفتخر بها أبنائي.. وبرضا عن ذاتي يملأ مخازن سعادتي..

أحسست بلذة الوقت وأحببت هذه العزلة وآمنت أكثر بقول الله تعالى (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

مطارق الصداع